أَنَّكَ الْخَلِيفَةُ؟ فَقَالَ: لَا حَرَجَ عَلَيْكَ يَا أَخِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَعْدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَعِرْقُ النَّسَا، فَمَنَعَهُ مِنْ شُهُودِ الْقِتَالِ، لَكِنَّهُ جَالِسٌ فِي رَأْسِ الْقَصْرِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ الْجَيْشِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَ الْقَصْرِ ; لِشَجَاعَتِهِ، وَلَوْ فَرَّ النَّاسُ لَأَخَذَتْهُ الْفُرْسُ قَبْضًا بِالْيَدِ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُمْ، وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ سَلْمَى بِنْتُ حَفْصٍ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ، فَلَمَّا فَرَّ بَعْضُ الْخَيْلِ يَوْمَئِذٍ فَزِعَتْ وَقَالَتْ: وَامُثَنَّيَاهْ، وَلَا مُثَنَّى لِيَ الْيَوْمَ. فَغَضِبَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَطَمَ وَجْهَهَا، فَقَالَتْ: أَغَيْرَةً وَجُبْنًا؟ يَعْنِي أَنَّهَا تُعَيِّرُهُ بِجُلُوسِهِ فِي الْقَصْرِ يَوْمَ الْحَرْبِ، وَهَذَا عِنَادٌ مِنْهَا، فَإِنَّهَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِعُذْرِهِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ عِنْدَهُ فِي الْقَصْرِ رَجُلٌ مَسْجُونٌ عَلَى الشَّرَابِ، كَانَ قَدْ حُدَّ فِيهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً يُقَالُ: سَبْعَ مَرَّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ سَعْدٌ فَقُيِّدَ وَأُودِعَ الْقَصْرَ، فَلَمَّا رَأَى الْخُيُولَ تَجُوُلُ حَوْلَ حِمَى الْقَصْرِ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ، قَالَ:
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُدْحَمَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا ... وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلِيَّ وَثَاقِيَا
إِذَا قُمْتُ عَنَّانِي الْحَدِيدُ وَأُغْلِقَتْ ... مَصَارِيعُ مِنْ دُونِي تَصُمُّ الْمُنَادِيَا
وَقَدْ كُنْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَإِخْوَةٍ ... وَقَدْ تَرَكُونِي مُفْرَدًا لَا أَخَا لِيَا
ثُمَّ سَأَلَ مِنْ زَبْرَاءَ أُمِّ وَلَدِ سَعْدٍ أَنْ تُطْلِقَهُ وَتُعِيرَهُ فَرَسَ سَعْدٍ، وَحَلَفَ لَهَا أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute