أَمَّا النِّيلُ ; وَهُوَ النَّهْرُ الَّذِي لَيْسَ فِي أَنْهَارِ الدُّنْيَا لَهُ نَظِيرٌ فِي خِفَّتِهِ، وَلَطَافَتِهِ، وَبُعْدِ مَسْرَاهُ فِيمَا بَيْنَ مُبْتَدَاهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ فَمُبْتَدَاهُ مِنَ الْجِبَالِ الْقُمْرِ أَيِ الْبِيضِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: جِبَالُ الْقَمَرِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْكَوْكَبِ. وَهِيَ فِي غَرْبِيِّ الْأَرْضِ وَرَاءَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْجَانِبِ الْجَنُوبِيِّ. وَيُقَالُ: إِنَّهَا حُمْرٌ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِهَا عُيُونٌ، ثُمَّ تَجْتَمِعُ مِنْ عَشْرِ مَسِيلَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ، ثُمَّ تَجْتَمِعُ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا فِي بَحْرٍ، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْهَا أَنْهَارٌ سِتَّةٌ، ثُمَّ تَجْتَمِعُ كُلُّهَا فِي بُحَيْرَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا نَهْرٌ وَاحِدٌ هُوَ النِّيلُ فَيَمُرُّ عَلَى بِلَادِ السُّودَانِ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ عَلَى النَّوْبَةِ، وَمَدِينَتِهَا الْعُظْمَى دُمْقُلَةَ، ثُمَّ عَلَى أُسْوَانَ، ثُمَّ يَفِدُ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَقَدْ تَحَمَّلَ إِلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ زِيَادَاتِ أَمْطَارِهَا، وَاجْتَرَفَ مِنْ تُرَابِهَا، وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِمَا مَعًا ; لِأَنَّ مَطَرَهَا قَلِيلٌ لَا يَكْفِي زُرُوعَهَا وَأَشْجَارَهَا، وَتُرْبَتَهَا رِمَالٌ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا حَتَّى يَجِيءَ النِّيلُ بِزِيَادَتِهِ وَطِينِهِ فَيَنْبُتُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَهِيَ مِنْ أَحَقِّ الْأَرَاضِي بِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: ٢٧] .
ثُمَّ يَتَجَاوَزُ النِّيلُ مِصْرَ قَلِيلًا فَيَفْتَرِقُ شَطْرَيْنِ عِنْدَ قَرْيَةٍ عَلَى شَاطِئِهِ يُقَالُ لَهَا شَطَنُوفُ فَيَمُرُّ الْغَرْبِيُّ عَلَى رَشِيدٍ، وَيَصُبُّ فِي الْبَحْرِ الْمَالِحِ، وَأَمَّا الشَّرْقِيُّ فَتَفْتَرِقُ أَيْضًا عِنْدَ جَوْجَرَ فِرْقَتَيْنِ تَمُرُّ الْغَرْبِيَّةُ مِنْهُمَا عَلَى دِمْيَاطَ مِنْ غَرْبِيِّهَا، وَيَصُبُّ فِي الْبَحْرِ، وَالشَّرْقِيَّةُ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute