قُلْتُ: ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سِيَاقِ بَيْعَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَكِنَّهُ لَمَّا بَايَعَهُ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى دَارِ الشُّورَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ، فَبَايَعَهُ بَقِيَّةُ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْبَيْعَةَ إِلَّا بَعْدَ الظُّهْرِ.
وَصَلَّى صُهَيْبٌ يَوْمَئِذٍ الظَّهْرَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَكَانَ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْخَلِيفَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمُسْلِمِينَ فَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ، خَرَجَ وَهُوَ أَشَدُّهُمْ كَآبَةً فَأَتَى مِنْبَرَ النَّبِيِّ، ﷺ، فَخَطَبَ النَّاسَ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ، ﷺ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ فِي دَارِ قَلْعَةٍ، وَفِي بَقِيَّةِ أَعْمَارٍ، فَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِخَيْرِ مَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ أُتِيتُمْ؛ صُبِّحْتُمْ أَوْ مُسِّيتُمْ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا طُوِيَتْ عَلَى الْغُرُورِ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لُقْمَانَ: ٣٣]. وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ مَضَى ثُمَّ جِدُّوا وَلَا تَغْفُلُوا؛ أَيْنَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَإِخْوَانُهَا الَّذِينَ أَثَارُوهَا وَعَمَرُوهَا وَمُتِّعُوا بِهَا طَوِيلًا؛ أَلَمْ تَلْفِظْهُمْ! ارْمُوا بِالدُّنْيَا حَيْثُ رَمَى اللَّهُ بِهَا، وَاطْلُبُوا الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَرَبَ لَهَا مَثَلًا، وَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَقَالَ تَعَالَى وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute