للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ ; لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي الثُّغُورِ وَفِي الْأَقَالِيمِ فِي كُلِّ جِهَةٍ وَفِي الْحَجِّ.

وَمَعَ هَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدِ اعْتَزَلَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، وَمَنْ كَانَ يَحْضُرُ مِنْهُمُ الْمَسْجِدَ لَا يَجِيءُ إِلَّا وَمَعَهُ السَّيْفُ يَضَعُهُ عَلَى حَبْوَتِهِ إِذَا احْتَبَى، وَالْخَوَارِجُ مُحْدِقُونَ بِدَارِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرُبَّمَا لَوْ أَرَادُوا صَرْفَهُمْ عَنِ الدَّارِ لَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.

وَلَكِنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ قَدْ بَعَثُوا أَوْلَادَهُمْ إِلَى الدَّارِ يُجَاحِفُونَ عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِكَيْ تَقْدَمَ الْجُيُوشُ مِنَ الْأَمْصَارِ لِنُصْرَتِهِ، فَمَا فَجَأَ النَّاسَ إِلَّا وَقَدْ ظَفِرَ أُولَئِكَ بِالدَّارِ مِنْ خَارِجِهَا، وَأَحْرَقُوا بَابَهَا، وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.

وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَسْلَمَهُ وَرَضِيَ بِقَتْلِهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ رَضِيَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ كُلُّهُمْ كَرِهَهُ، وَمَقَتَهُ، وَسَبَّ مَنْ فَعَلَهُ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَوَدُّ لَوْ خَلَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْأَمْرِ ; كَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: دَفَنُوا عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَشِّ كَوْكَبٍ، وَكَانَ قَدِ اشْتَرَاهُ وَزَادَهُ فِي الْبَقِيعِ.

وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ حَيْثُ يَقُولُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ عُثْمَانَ: هُوَ أَمِيرُ الْبَرَرَةِ، وَقَتِيلُ الْفَجَرَةِ، مَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ، مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>