للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ حَمَلَ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيَّ بِمَنْ رَجَعَ مَعَهُ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ، فَصَدَقَ الْحَمْلَةَ حَتَّى خَالَطَ الصُّفُوفَ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى الْمَوْتِ أَنْ لَا يَفِرُّوا وَهُمْ حَوْلَ مُعَاوِيَةَ، فَخَرَقَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً، وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ صَفٌّ وَاحِدٌ، قَالَ الْأَشْتَرُ: فَرَأَيْتُ هَوْلًا عَظِيمًا، وَكِدْتُ أَنْ أَفِرَّ فَمَا ثَبَّتَنِي إِلَّا قَوْلُ ابْنُ الْإِطْنَابَةِ - وَهِيَ أُمُّهُ مِنْ بَلْقَيْنَ، وَكَانَ هُوَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ:

أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي ... وِإِقْدَامِي عَلَى الْبَطَلِ الْمُشِيحِ

وَإِعْطَائِى عَلَى الْمَكْرُوهِ مَالِي ... وَضَرْبِي هَامَةَ الرَّجُلِ السَّمِيحِ

وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي

قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي ثَبَّتَنِي فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ ابْنَ دِيزِيلَ رَوَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ حَمَلُوا حَمْلَةً وَاحِدَةً، فَلَمْ يَبْقَ لِأَهْلِ الشَّامِ صَفٌّ إِلَّا أَزَالُوهُ، حَتَّى أَفْضَوْا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَدَعَا بِفَرَسِهِ لِيَنْجُوَ عَلَيْهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَلَمَّا وَضَعْتُ رِجْلِي فِي آلَةِ الرِّكَابِ تَمَثَّلْتُ بِأَبْيَاتِ عَمْرِو بْنِ الْإِطْنَابَةِ:

أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي ... وَأَخْذِي الْحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>