وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَانْتِقَادِ أَحْكَامِهِ، وَرَدِّ أَقْوَالِهِ، وَحَلِّ إِبْرَامِهِ ; لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَجَفَائِهِمْ وَغِلْظَتِهِمْ وَفُجُورِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ. وَلَمَّا جَاءَ عَلِيًّا الْخَبَرُ عَنْ مِصْرَ وَمَا حَلَّ بِهَا، وَقَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، حَزِنَ عَلَى مُحَمَّدٍ حُزْنًا كَثِيرًا، وَتَرَحَّمَ وَرُئِيَ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ عَلَيْهِ، مَعَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: إِنِّي وَاللَّهِ بِمَوَاضِعِ الْحَرْبِ لَجَدِيرٌ خَبِيرٌ، وَإِنِّي لَأَعْرِفُ وَجْهَ الْحَزْمِ، وَأَقُومُ فِيكُمْ بِالرَّأْيِ الْمُصِيبِ فَأَسْتَصْرِخُكُمْ مُعْلِنًا، وَأُنَادِيكُمْ نِدَاءَ الْمُسْتَغِيثِ، وَلَا أَرَى فِيكُمْ مُغِيثًا، وَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا، وَلَا تُطِيعُونَ لِي أَمْرًا حَتَّى تَصِيرَ بِيَ الْأُمُورُ إِلَى عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ، فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ الْقَوْمُ لَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَأْرٌ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى غِيَاثِ إِخْوَانِكُمْ مُنْذُ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَتَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَشْدَقِ، وَتَثَاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ تَثَاقُلَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَا اكْتِسَابِ الْأَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ مَرَايِبُ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَأُفٍّ لَكُمْ.
ثُمَّ كَتَبَ عَلِيٌّ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى الْبَصْرَةِ - يَشْكُو إِلَيْهِ مَا يَلْقَاهُ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُهُمْ إِلَى غَوْثِ إِخْوَانِهِمْ ; فَمِنْهُمْ مَنْ أَتَى كَارِهًا، وَمِنْهُمُ الْمُعْتَذِرُ كَاذِبًا، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute