للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَذْكُرُ تَعَالَى إِرْسَالَهُ عَبْدَهُ الْكَلِيمَ الْكَرِيمَ، إِلَى فِرْعَوْنَ الْخَسِيسِ اللَّئِيمِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَيَّدَ رَسُولَهُ بِآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَاضِحَاتٍ، تَسْتَحِقُّ أَنْ تُقَابَلَ بِالتَّصْدِيقِ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَنْ يَرْتَدِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ، وَبِهَا يَسْتَهْزِئُونَ، وَعَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يَصُدُّونَ، وَعَنِ الْحَقِّ يَحِيدُونَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ تَتْرَى، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكُلُّ آيَةٍ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا الَّتِي تَتْلُوهَا; لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ، {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ - وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف: ٤٨ - ٤٩] لَمْ يَكُنْ لَفْظُ السَّاحِرِ فِي زَمَانِهِمْ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا; لِأَنَّ عُلَمَاءَهُمْ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، هُمُ السَّحَرَةُ; وَلِهَذَا خَاطَبُوهُ بِهِ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ، وَضَرَاعَتِهِمْ لَدَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الزخرف: ٥٠] ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَبَجُّحِ فِرْعَوْنَ بِمُلْكِهِ وَعَظْمَةِ بَلَدِهِ وَحُسْنِهَا وَتَخَرُّقِ الْأَنْهَارِ فِيهَا، وَهِيَ الْخُلْجَانُ الَّتِي يَكْسِرُونَهَا أَمَامَ زِيَادَةِ النِّيلِ ثُمَّ تَبَجَّحَ بِنَفْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَأَخَذَ يَتَنَقَّصُ رَسُولَ اللَّهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَزْدَرِيهِ بِكَوْنِهِ {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: ٥٢] يَعْنِي كَلَامَهُ، بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي لِسَانِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تِلْكَ اللُّثْغَةِ، الَّتِي هِيَ شَرَفٌ لَهُ، وَكَمَالٌ وَجَمَالٌ، وَلَمْ تَكُنْ مَانِعَةً لَهُ أَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْحَى إِلَيْهِ، وَأَنْزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهِ، وَتَنَقَّصَهُ فِرْعَوْنُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، بِكَوْنِهِ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>