وَنَحْنُ كِرَامٌ فِي الْهَيَاجِ أَعِزَّةٌ
إِذَا الْمَوْتُ بِالْمَوْتِ ارْتَدَى وَتَأَزَّرَا
وَقَدِ امْتَدَحَ ابْنَ مُلْجَمٍ بَعْضُ الْخَوَارِجِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ - وَكَانَ أَحَدَ الْعُبَّادِ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " - فَقَالَ فِيهِ:
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا
إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا
وَأَمَّا صَاحِبُ مُعَاوِيَةَ - وَهُوَ الْبُرَكُ - فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ: بِخِنْجَرٍ مَسْمُومٍ. فَجَاءَتِ الضَّرْبَةُ فِي وَرْكِهِ فَجَرَحَتْ أَلْيَتُهُ، وَمُسِكَ الْخَارِجِيُّ فَقُتِلَ، وَقَدْ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: اتْرُكْنِي فَإِنِّي أُبَشِّرُكَ بِبِشَارَةٍ. فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي قَدْ قَتَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. قَالَ: بَلَى، إِنَّهُ لَا حَرَسَ مَعَهُ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، وَجَاءَ الطَّبِيبُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ جُرْحَكَ مَسْمُومٌ ; فَإِمَّا أَنْ أَكْوِيَكَ وَإِمَّا أَنْ أَسْقِيَكَ شَرْبَةً فَيَذْهَبُ السُّمُّ، وَلَكِنْ يَنْقَطِعُ نَسْلُكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا النَّارُ فَلَا طَاقَةَ لِي بِهَا، وَأَمَّا النَّسْلُ فَفِي يَزِيدَ وَعَبْدِ اللَّهِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي. فَسَقَاهُ شَرْبَةً، فَبَرِأَ مِنْ أَلَمِهِ وَجِرَاحِهِ، وَانْقَطَعَ النَّسْلُ وَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَمِنْ حِينَئِذٍ عُمِلَتِ الْمَقْصُورَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَجُعِلَ الْحَرَسُ حَوْلَهَا فِي حَالِ السُّجُودِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَهَا مُعَاوِيَةُ ; لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute