فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} [الدخان: ٢٤] أَيْ; سَاكِنًا عَلَى هَيْئَتِهِ، لَا تُغَيِّرْهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالرَّبِيعُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُمْ. فَلَمَّا تَرَكَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَحَالَتِهِ، وَانْتَهَى فِرْعَوْنُ، فَرَأَى مَا رَأَى، وَعَايَنَ مَا عَايَنَ، هَالَهُ هَذَا الْمَنْظَرُ الْعَظِيمُ وَتَحَقَّقَ مَا كَانَ يَتَحَقَّقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ رَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، فَأَحْجَمَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ، وَنَدِمَ فِي نَفْسِهِ عَلَى خُرُوجِهِ فِي طَلَبِهِمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ، لَكِنَّهُ أَظْهَرَ لِجُنُودِهِ تَجَلُّدًا، وَعَامَلَهُمْ مُعَامَلَةَ الْعِدَا، وَحَمَلَتْهُ النَّفْسُ الْكَافِرَةُ وَالسَّجِيَّةُ الْفَاجِرَةُ، عَلَى أَنْ قَالَ لِمَنِ اسْتَخَفَّهُمْ فَأَطَاعُوهُ، وَعَلَى بَاطِلِهِ تَابَعُوهُ: انْظُرُوا كَيْفَ انْحَسَرَ الْبَحْرُ لِي; لِأُدْرِكَ عَبِيدِي الْآبِقِينَ مِنْ يَدِي، الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِي وَبَلَدِي؟ وَجَعَلَ يُورِي فِي نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ خَلْفَهُمْ، وَيَرْجُو أَنْ يَنْجُوَ وَهَيْهَاتَ، وَيُقْدِمُ تَارَةً، وَيُحْجِمُ تَارَاتٍ. فَذَكَرُوا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَبَدَّى فِي صُورَةِ فَارِسٍ، رَاكِبٍ عَلَى رَمَكَةِ حَائِلٍ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْ فَحْلِ فِرْعَوْنَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَحَمْحَمَ إِلَيْهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، وَأَسْرَعَ جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ، وَاسْتَبَقَ الْجَوَادَ، وَقَدْ أَجَادَ فَبَادَرَ مُسْرِعًا، هَذَا وَفِرْعَوْنُ لَا يَمْلِكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute