فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ … وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولَانِ: قِيلَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ; لَقَدِ اخْتَلَفْنَا إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُخْتَلَفُ إِلَى الْفُقَهَاءِ فِي الْفِقْهِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ قَاعِدٌ بِفِنَائِهِ مُحْتَبٍ بِكِسَائِهِ، إِذْ أَتَتْهُ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ مَقْتُولٌ وَمَكْتُوفٌ، فَقَالُوا: هَذَا ابْنُكَ قَتَلَهُ ابْنُ أَخِيكَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَّ حَبَوْتَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ، ثُمَّ الْتَفَتْ إِلَى ابْنٍ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ: أَطْلِقْ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ، وَوَارِ أَخَاكَ، وَاحْمِلْ إِلَى أُمِّهِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا غَرِيبَةٌ. ثُمَّ نَظَرَ لَهُ فَقَالَ: نَقَصْتَ عَدَدَكَ، وَقَطَعْتَ رَحِمَكَ، وَعَصَيْتَ رَبَّكَ، وَأَطَعْتَ شَيْطَانَكَ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَلَسَ حَوْلَهُ بَنُوهُ، وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذَكَرًا، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، سَوِّدُوا عَلَيْكُمْ أَكْبَرَكُمْ تَخْلُفُوا أَبَاكُمْ، وَلَا تَسُوِّدُوا أَصْغَرَكُمْ فَيَزْدَرِي بِكُمْ أَكْفَاؤُكُمْ، وَعَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإِنَّهُ مَأْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَي بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِيَّاكُمْ وَمَسْأَلَةَ النَّاسِ; فَإِنَّهَا مِنْ أَخَسِّ مَكْسَبَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَلَا تَدْفِنُونِي حَيْثُ يَشْعُرُ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ; فَإِنِّي كُنْتُ أُعَادِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute