للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى النَّاسِ عَلَفُ الدَّوَابِّ، فَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ شِعْرًا يَهْجُو بِهِ عَبَّادَ بْنَ زِيَادٍ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَ:

أَلَا لَيْتَ اللِّحَى كَانَتْ حَشِيشًا ... فَنَعْلِفُهَا خُيُولَ الْمُسْلِمِينَا

وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ كَبِيرَهَا جِدًّا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَغَضِبَ، وَتَطَلَّبَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ قَصَائِدَ يَهْجُوهُ بِهَا كَثِيرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

إِذَا أَوْدَى مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ ... فَبَشِّرْ شِعْبَ قَعْبِكَ بِانْصِدَاعِ

فَأَشْهَدُ أَنَّ أُمَّكَ لَمْ تُبَاشِرْ ... أَبَا سُفْيَانَ وَاضِعَةَ الْقِنَاعِ

وَلَكِنْ كَانَ أَمْرًا فِيهِ لَبْسٌ ... عَلَى وَجِلٍ شَدِيدٍ وَارْتِيَاعِ

وَقَالَ أَيْضًا:

أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... مُغَلْغَلَةً مِنَ الرَّجُلِ الْيَمَانِي

أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ ... وَتَرْضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانِي

فَأَشْهَدُ أَنَّ رَحْمَكَ مِنْ زِيَادٍ ... كَرَحْمِ الْفِيلِ مِنْ وَلَدِ الْأَتَانِ

فَكَتَبَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ إِلَى أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ وَافِدٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، فَقَرَأَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَقْتُلْهُ، وَلَكِنْ أَدِّبْهُ وَلَا تَبْلُغْ بِهِ الْقَتْلَ. فَلَمَّا رَجَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْبَصْرَةِ اسْتَحْضَرَهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَجَارَ بِوَالِدِ زَوْجَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ، وَكَانَتِ ابِنْتُهُ بَحْرِيَّةُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَجَارَهُ وَآوَاهُ إِلَى دَارِهِ، وَجَاءَ الْمُنْذِرُ مُسَلِّمًا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ الشُّرَطَ إِلَى دَارِ الْمُنْذِرِ، فَجَاءُوا بِابْنِ مُفَرِّغٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>