بِكَمَالِهِ، وَأُتِمَّتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَلَامُ اللَّهِ لَهُ يَوْمَ عِيدِ النَّحْرِ، وَفِي مِثْلِهِ أَكْمَلَ اللَّهُ ﷿ لِمُحَمَّدٍ ﷺ دِينَهُ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ وَبَرَاهِينَهُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مُوسَى، ﵇، لَمَّا اسْتَكْمَلَ الْمِيقَاتَ، وَكَانَ فِيهِ صَائِمًا، يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَسْتَطْعِمِ الطَّعَامَ. فَلَمَّا كَمَلَ الشَّهْرُ أَخَذَ لِحَا شَجَرَةٍ فَمَضَغَهُ، لِيُطَيِّبَ رِيحَ فَمِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُمْسِكَ عَشْرًا أُخْرَى، فَصَارَتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ: خَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الذَّهَابِ، اسْتَخْلَفَ عَلَى شَعْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَاهُ هَارُونَ الْمُحَبَّبَ الْمُبَجَّلَ الْجَلِيلَ، وَهُوَ ابْنُ أُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَوَزِيرُهُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى مُصْطَفِيهِ، فَوَصَّاهُ وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ فِي نُبُوَّتِهِ مُنَافَاةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا أَيْ; فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِالْمَجِيءِ فِيهِ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أَيْ; كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، إِلَّا أَنَّهُ أَسْمَعَهُ الْخِطَابَ، فَنَادَاهُ وَنَاجَاهُ، وَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَهَذَا مَقَامٌ رَفِيعٌ، وَمَعْقِلٌ مَنِيعٌ، وَمَنْصِبٌ شَرِيفٌ، وَمَنْزِلٌ مُنِيفٌ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَتْرَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى. وَلَمَّا أُعْطِيَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ الْعَلِيَّةَ وَالْمَرْتَبَةَ السَّنِيَّةَ، وَسَمِعَ الْخِطَابَ، سَأَلَ رَفْعَ الْحِجَابِ، فَقَالَ لِلْعَظِيمِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، الْقَوِّيُّ الْبُرْهَانِ: رَبِّي أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ تَجَلِّيهِ ﵎; لِأَنَّ الْجَبَلَ الَّذِي هُوَ أَقْوَى وَأَكْبَرُ ذَاتًا، وَأَشَدُّ ثَبَاتًا مِنَ الْإِنْسَانِ، لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّجَلِّي مِنَ الرَّحْمَنِ، وَلِهَذَا قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute