وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَإِنَّهُ نَزَلَ مِنَ الْقَصْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ بَعْدَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَصَلَّى بِهِمُ الْعِشَاءَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، وَحَثَّ عَلَى طَلَبِهِ، وَمِنْ وُجِدَ عِنْدِهِ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِيَتُهُ، وَطَلَبَ الشُّرَطَ، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى تَطَلُّبِهِ وَتَهَدَّدَهُمْ وَتَوَعَّدَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْنُ تِلْكَ الْعَجُوزِ ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فِي دَارِهِمْ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَارَّ أَبَاهُ بِذَلِكَ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: مَا سَارَّكَ بِهِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّ مُسْلِمًا فِي بَعْضِ دُورِنَا. فَنَخَسَ بِقَضِيبٍ فِي جَنْبِهِ، وَقَالَ: قُمْ فَأْتِنِي بِهِ السَّاعَةَ.
وَبَعَثَ ابْنُ زِيَادٍ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ - وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِي سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ فَارِسًا، فَلَمْ يَشْعُرْ مُسْلِمٌ إِلَّا وَقَدْ أُحِيطَ بِالدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الدَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأُصِيبَتْ شَفَتُهُ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى، ثُمَّ جَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَيُلْهِبُونَ النَّارَ فِي أَطْنَانِ الْقَصَبِ وَيُلْقُونَهَا عَلَيْهِ، فَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ، فَأَعْطَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَمَانَ، فَأَمْكَنَهُ مِنْ يَدِهِ، وَجَاءُوا بِبَغْلَةٍ، فَأَرْكَبُوهُ عَلَيْهَا، وَسَلَبُوا مِنْهُ سَيْفَهُ، فَلَمْ يَبْقَ يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَبَكَى عِنْدَ ذَلِكَ، وَعَرَفَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَئِسَ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ: إِنَّا لَلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute