الْأَحْمَسِيَّ، وَعَلَى الرَّجَّالَةِ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، وَأَعْطَى الرَّايَةَ ذُوَيْدًا مَوْلَاهُ، وَتَوَاقَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَعَدَلَ الْحُسَيْنُ إِلَى خَيْمَةٍ قَدْ نُصِبَتْ لَهُ، فَاغْتَسَلَ فِيهَا، وَاطَّلَى بِالنُّورَةِ، وَتَطَيَّبَ بِمِسْكٍ كَثِيرٍ، وَدَخَلَ بَعْدَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا هَذَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَعْنَا مِنْكَ، وَاللَّهِ مَا هَذِهِ بِسَاعَةِ بَاطِلٍ. فَقَالَ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ الْبَاطِلَ شَابًّا وَلَا كَهْلًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ إِنِّي لَمُسْتَبْشِرٌ بِمَا نَحْنُ لَاقُونَ، وَاللَّهِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحُورِ الْعِينِ إِلَّا أَنْ يَمِيلَ عَلَيْنَا هَؤُلَاءِ فَيَقْتُلُونَا. ثُمَّ رَكِبَ الْحُسَيْنُ عَلَى فَرَسِهِ، وَأَخَذَ مُصْحَفًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ. إِلَى آخِرِهِ. وَأَرْكَبَ ابْنَهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ - وَكَانَ ضَعِيفًا مَرِيضًا - فَرَسًا يُقَالُ لَهُ: لَاحِقٌ. وَنَادَى الْحُسَيْنُ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي نَصِيحَةً أَقُولُهَا لَكُمْ. فَأَنْصَتَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ والثَنَاءِ عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ قَبِلْتُمْ مِنِّي وَأَنْصَفْتُمُونِي، كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ عَلَيَّ سَبِيلٌ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوا مِنِّي {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: ٧١] ، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: ١٩٦] . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَخَوَاتُهُ وَبَنَاتُهُ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُنَّ بِالْبُكَاءِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا يَبْعَدُ ابْنُ عَبَّاسٍ. يَعْنِي حِينَ أَشَارَ عَلَيْهِ أَلَّا يَخْرُجَ بِالنِّسَاءِ مَعَهُ، وَيَدَعَهُنَّ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ يَنْتَظِمَ لَهُ الْأَمْرُ. ثُمَّ بَعَثَ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ وَابْنَهُ عَلِيًّا فَسَكَّتَاهُنَّ، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ لِلنَّاسِ فَضْلَهُ وَعَظَمَةَ نَسَبِهِ، وَعُلُوَّ قَدْرِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute