الْكُسُوفَاتُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَقْتَضِيهِ فَإِذَا ذَهَبَتْ فِيهِ حَتَّى تَتَوَسَّطَهُ وَهُوَ وَقْتُ نِصْفِ اللَّيْلِ مَثَلًا فِي اعْتِدَالِ الزَّمَانِ، بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ الْقُطْبَيْنِ الْجَنُوبِيِّ وَالشَّمَالِيِّ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَبْعَدَ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَرْشِ ; لِأَنَّهُ مُقَبَّبٌ مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْعَالَمِ، وَهَذَا مَحَلُّ سُجُودِهَا كَمَا يُنَاسِبُهَا، كَمَا أَنَّهَا أَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنَ الْعَرْشِ وَقْتَ الزَّوَالِ مِنْ جِهَتِنَا، فَإِذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ سُجُودِهَا اسْتَأْذَنَتِ الرَّبَّ جَلَّ جَلَالُهُ فِي طُلُوعِهَا مِنَ الشَّرْقِ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، فَتَبْدُو مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كَارِهَةٌ لِعُصَاةِ بَنِي آدَمَ أَنْ تَطْلُعَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ أُمَيَّةُ:
لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِهَا ... إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ
فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي يُرِيدُ اللَّهُ طُلُوعَهَا فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَغْرِبِهَا تَسْجُدُ عَلَى عَادَتِهَا، وَتَسْتَأْذِنُ فِي الطُّلُوعِ مِنْ عَادَتِهَا فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، فَجَاءَ أَنَّهَا تَسْجُدُ أَيْضًا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، وَتَطُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ الْفَجْرَ قَدِ اقْتَرَبَ، وَإِنَّ الْمَدَى بَعِيدٌ. فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا جَمِيعًا، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute