للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُحِبُّ مُصْعَبًا حَبًّا شَدِيدًا، وَكَانَ خَلِيلًا لَهُ قَبْلَ الْخِلَافَةِ، فَقَالَ لِأَخِيهِ مُحَمَّدٍ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَآمِنْهُ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُصْعَبُ قَدْ آمَنُكَ ابْنُ عَمِّكَ عَلَى نَفْسِكَ وَوَلَدِكَ وَمَالِكَ وَأَهْلِكَ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْبِلَادِ، وَلَوْ أَرَادَ بِكَ غَيْرَ ذَلِكَ لَكَانَ، فَقَالَ مُصْعَبٌ: قُضِيَ الْأَمْرُ، إِنَّ مِثْلِي لَا يَنْصَرِفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ إِلَّا غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا. فَتَقَدَّمَ ابْنُهُ عِيسَى فَقَاتَلَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ يَابْنَ أَخِي لَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ قَتْلِ أَبِيهِ بَعْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ: وَلَمَّا وُضِعَ رَأْسُ مُصْعَبٍ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بَكَى وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَقْدِرُ أَنْ أَصْبِرَ عَلَيْهِ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُبِّي لَهُ حَتَّى دَخَلَ السَّيْفُ بَيْنَنَا، وَلَكِنَّ الْمُلْكَ عَقِيمٌ! وَلَقَدْ كَانَتِ الْمَحَبَّةُ وَالْحُرْمَةُ بَيْنَنَا قَدِيمَةً، مَتَى تَلِدُ النِّسَاءُ مِثْلَ مُصْعَبٍ؟ ثُمَّ أَمَرَ بِمُوَارَاتِهِ، وَدَفَنَهُ هُوَ وَابْنَهُ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْتَرِ فِي قُبُورٍ بِمَسْكِنٍ بِالْقُرْبِ مِنَ الْكُوفَةِ.

قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَكَانَ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى أَوِ الْآخِرَةِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالُوا: وَلَمَّا قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُصْعَبًا ارْتَحَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فَنَزَلَ النُّخَيْلَةَ فَوَفَدَتْ عَلَيْهِ الْوُفُودُ بِهَا مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَسَادَاتِ الْعَرَبِ، وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُمْ بِفَصَاحَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>