للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا وُضِعَ رَأْسُ مُصْعَبٍ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ:

لَقَدْ أَرْدَى الْفَوَارِسَ يَوْمَ عَبْسٍ ... غُلَامًا غَيْرَ مَنَّاعِ الْمَتَاعِ

وَلَا فَرِحٍ لِخَيْرٍ إِنْ أَتَاهُ ... وَلَا هَلِعٍ مِنَ الْحَدَثَانِ لَاعِ

وَلَا وَقَّافَةٍ وَالْخَيْلُ تَعْدُو ... وَلَا خَالٍ كَأُنْبُوبِ الْيَرَاعِ

فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ بِرَأْسِهِ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ رَأَيْتُهُ وَالرُّمْحُ فِي يَدِهِ تَارَةً، وَالسَّيْفُ تَارَةً ; يَفْرِي بِهَذَا، وَيَطْعَنُ بِهَذَا، لَرَأَيْتَ رَجُلًا يَمْلَأُ الْقَلْبَ وَالْعَيْنَ شَجَاعَةً وَإِقْدَامًا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَفَرَّقَتْ رِجَالُهُ، وَكَثُرَ مَنْ قَصَدَهُ وَبَقِيَ وَحْدَهُ مَا زَالَ يُنْشِدُ:

وَإِنِّي عَلَى الْمَكْرُوهِ عِنْدَ حُضُورِهِ ... أُكَذِّبُ نَفْسِي وَالْجُفُونُ لَهُ تَغُضِي

وَمَا ذَاكَ مِنْ ذُلٍّ وَلَكِنْ حَفِيظَةً ... أَذُبُّ بِهَا عِنْدَ الْمَكَارِمِ عَنْ عِرْضِي

وَإِنِّي لِأَهْلِ الشَّرِّ بِالشَّرِّ مَرْصَدٌ ... وَإِنِّي لِذِي سِلْمٍ أَذَلُّ مِنَ الْأَرْضِ

فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: كَانَ وَاللَّهِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَصَدَقَ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَشَدِّهِمْ لِي إِلْفًا وَمَوَدَّةً، وَلَكِنَّ الْمُلْكَ عَقِيمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>