عَلَيْهِ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ عِنْدَهُ، فَكَانَ الْأَحْنَفُ آخِرَ مَنْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ أَجَلَّهُ وَعَظَّمَهُ، وَأَدْنَاهُ وَكَرَّمَهُ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ يُحَادِثُهُ دُونَهُمْ، ثُمَّ شَرَعَ الْحَاضِرُونَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: إِنْ تَكَلَّمْتُ خَالَفْتُهُمْ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ عَزَلْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ عَنِ الْعِرَاقِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: انْظُرُوا لَكُمْ نَائِبًا عَلَيْكُمْ. وَأَجَّلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللَّهِ، وَلَا طَلَبَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْأَحْنَفُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي ذَلِكَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَفَاضُوا فِي ذَلِكَ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: تَكَلَّمْ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُوَلِّيَ فِيهَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ رَجُلٌ حَازِمٌ، وَلَا يَسُدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَسَدَّهُ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ غَيْرَهُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِنُوَّابِكَ. فَرَدَّهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْوِلَايَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ: كَيْفَ جَهِلْتَ مِثْلَ الْأَحْنَفِ؟ إِنَّهِ عَزَلَكَ وَوَلَّاكَ وَهُوَ سَاكِتٌ. فَعَظُمَتْ مَنْزِلَةُ الْأَحْنَفِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ.
تُوُفِّيَ الْأَحْنَفُ بِالْكُوفَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَشَى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute