للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقٍّ.

ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَلِكَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، وَذَلِكَ النَّحِيبِ، وَالظَّمَأِ فِي هَوَاجِرِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ وَبِي، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سَلَّمْتُهُ لِأَمْرِكَ فِيهِ، وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ، فَقَابِلْنِي فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِثَوَابِ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ. فَدَنَا مِنْهَا فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَتْهُ لِتُوَدِّعَهُ، وَاعْتَنَقَهَا لِيُوَدِّعَهَا، وَكَانَتْ قَدْ أَضَرَّتْ فِي آخِرِ عُمْرِهَا، فَوَجَدَتْهُ لَابِسًا دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، مَا هَذَا لِبَاسُ مَنْ يُرِيدُ مَا تُرِيدُ مِنَ الشَّهَادَةِ. فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، إِنَّمَا لَبِسْتُهُ لِأُطَيِّبَ خَاطِرَكِ، وَأُسَكِّنَ قَلْبَكِ بِهِ. فَقَالَتْ: لَا يَا بُنَيَّ، وَلَكِنِ انْزِعْهُ. فَنَزَعَهُ، وَجَعَلَ يَلْبَسُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِ وَيَتَشَدَّدُ، وَهِيَ تَقُولُ: شَمِّرْ ثِيَابَكَ. وَجَعَلَ يَتَحَفَّظُ مِنْ أَسْفَلِ ثِيَابِهِ ; لِئَلَّا تَبْدُو عَوْرَتَهُ إِذَا قُتِلَ، وَجَعَلَتْ تُذَكِّرُهُ بِأَبِيهِ الزُّبَيْرِ، وَجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَدَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُرَجِّيهِ الْقُدُومَ عَلَيْهِمْ إِذَا هُوَ قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِهِ بِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ أَبِيهِ وَأَبِيهَا، ثُمَّ قَالَتْ: امْضِ عَلَى بَصِيرَةٍ. فَوَدَّعَهَا، وَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:

وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ ... وَلَا مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>