للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ تَحْتَهُ أَطَالَ السُّكُوتَ، حَتَّى إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى وَأَرَادَ أَنْ يَحْصِبَهُ بِهَا، وَقَالَ: قَبَّحَهُ اللَّهُ، مَا أَعْيَاهُ وَأَذَمَّهُ. فَلَمَّا نَهَضَ الْحَجَّاجُ وَتَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ، جَعَلَ الْحَصَى يَتَنَاثَرُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ ; لِمَا يَرَى مِنْ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ.

وَيُقَالُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢] (النَّحْلِ: ١١٢) ، وَأَنْتُمْ أُولَئِكَ، فَاسْتَوْثِقُوا وَاسْتَقِيمُوا، فَوَاللَّهِ لَأُذِيقَنَّكُمُ الْهَوَانَ حَتَّى تَدِرُّوا، وَلَأَعْصِبَنَّكُمْ عَصَبَ السَّلَمَةِ حَتَّى تَنْقَادُوا، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقْبِلُنَّ عَلَى الْإِنْصَافِ، وَلَتَدَعُنَّ الْإِرْجَافَ وَكَانَ وَكَانَ، وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَالْخَبَرُ وَمَا الْخَبَرُ، أَوْ لَأَهْبُرَنَّكُمْ بِالسَّيْفِ هَبْرًا يَدَعُ النِّسَاءَ أَيَامَى، وَالْأَوْلَادَ يَتَامَى، حَتَّى تَمْشُوا السُّمَّهَى، وَتُقْلِعُوا عَنْ هَا وَهَا. فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ بَلِيغٍ غَرِيبٍ، يَشْتَمِلُ عَلَى وَعِيدٍ شَدِيدٍ، لَيْسَ فِيهِ وَعْدٌ بِخَيْرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>