للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَبْرَدِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ بِظَلَامِهِ، فَكَفَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبَاتَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مُصِرًّا عَلَى مُنَاهَضَةِ الْآخَرِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ عَبَرَ شَبِيبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْجِسْرِ، فَبَيْنَمَا شَبِيبٌ عَلَى مَتْنِ الْجِسْرِ، وَهُوَ عَلَى حِصَانٍ لَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ أُنْثَى، فَنَزَا فَرَسُهُ وَهُوَ عَلَى الْجِسْرِ، وَنَزَلَ حَافِرُ فَرَسِ شَبِيبٍ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا. ثُمَّ انْغَمَرَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ وَهُوَ يَقُولُ: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: ١٢] فَغَرِقَ.

وَلَمَّا تَحَقَّقَتِ الْخَوَارِجُ سُقُوطَهُ فِي الْمَاءِ كَرُّوا، وَانْصَرَفُوا ذَاهِبِينَ مُفَرَّقِينَ فِي الْبِلَادِ، وَجَاءَ أَمِيرُ جَيْشِ الْحَجَّاجِ، فَاسْتَخْرَجَ شَبِيبًا مِنَ الْمَاءِ، وَعَلَيْهِ دِرْعُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَشُقَّ صَدْرُهُ، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبُهُ، فَإِذَا هُوَ مُجْتَمِعٌ صُلْبٌ كَأَنَّهُ صَخْرَةٌ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ بِهِ الْأَرْضَ فَيَثِبُ قَامَةَ الْإِنْسَانِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ قَدْ أَبْغَضُوهُ لِمَا أَصَابَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ، فَلَمَّا تَخَلَّفَ فِي السَّاقَةِ اشْتَوَرُوا وَقَالُوا: نَقْطَعُ الْجِسْرَ بِهِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَمَالَتِ السُّفُنُ بِالْجِسْرِ، وَنَفَرَ فَرَسُهُ، فَسَقَطَ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ، فَنَادَوْا: غَرِقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَعَرَفَ جَيْشُ الْحَجَّاجِ ذَلِكَ فَجَاءُوا فَاسْتَخْرَجُوهُ.

وَلَمَّا نُعِيَ شَبِيبٌ إِلَى أُمِّهِ، قَالَتْ: صَدَّقْتُمْ، إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ وَأَنَا حَامِلٌ بِهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنِّي شِهَابٌ مِنْ نَارٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يُطْفِئُهُ إِلَّا الْمَاءُ.

وَكَانَتْ أُمُّهُ جَارِيَةٌ اسْمُهَا جَهِيزَةُ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً، وَكَانَتْ مِنْ أَشْجَعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>