للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّالِحِينَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ ابْنَ الْأَشْعَثِ، أَمَا كَانَ يَزْجُرُ الطَّيْرَ حَيْثُ رَآنِي قَدْ نَزَلْتُ دَيْرَ قُرَّةَ، وَنَزَلَ هُوَ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ. وَكَانَ جُمْلَةُ مَنِ اجْتَمَعَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ مِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مِمَّنْ يَأْخُذُ الْعَطَاءَ، وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَقَدِمَ عَلَى الْحَجَّاجِ فِي غُبُونِ ذَلِكَ أَمْدَادٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الشَّامِ، وَخَنْدَقَ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَوْلَ جَيْشِهِ خَنْدَقًا، يُمْتَنَعُ بِهِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ كَانَ يَبْرُزُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَقْتَتِلُونَ قِتَالًا شَدِيدًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، حَتَّى أُصِيبَ مِنْ رُءُوسِ النَّاسِ خَلْقٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحَالُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ مِنْ أَهْلِ الْمَشُورَةِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُرْضِيهِمْ مِنْكَ أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمُ الْحَجَّاجَ فَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ قِتَالِهِمْ وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ، فَاسْتَحْضَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ عِنْدَ ذَلِكَ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَمَعَهُمَا جُنُودٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَابًا إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ يَقُولُ لَهُمْ: إِنْ كَانَ يُرْضِيكُمْ مِنِّي عَزْلُ الْحَجَّاجِ عَنْكُمْ عَزَلْتُهُ، وَأَبْقَيْتُ عَلَيْكُمْ أُعْطِيَّاتِكُمْ مِثْلَ أَهْلِ الشَّامِ، وَلْيَخْتَرِ ابْنُ الْأَشْعَثِ أَيَّ بَلَدٍ شَاءَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَمِيرًا مَا عَاشَ وَعِشْتُ، وَتَكُونُ إِمْرَةُ الْعِرَاقِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ. وَقَالَ فِي عَهْدِهِ هَذَا: فَإِنْ لَمْ يُجِبْ أَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى ذَلِكَ فَالْحَجَّاجُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ إِمْرَةُ الْحَرْبِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي طَاعَتِهِ وَتَحْتَ أَمْرِهِ، لَا يَخْرُجُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>