للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً كَانَتْ تُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَالشِّعْرَ وَغَيْرَهُ، فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مَالَهُ كُلَّهُ حَتَّى أَفْلَسَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ سِوَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَقَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ: قَدْ أَرَى مَا بِكَ مِنْ قِلَّةِ الشَّيْءِ، فَلَوْ بِعْتَنِي وَانْتَفَعْتَ بِثَمَنِي صَلُحَ حَالُكَ، فَبَاعَهَا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا - وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ - بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَبَضَ الْمَالَ نَدِمَ وَنَدِمَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَنْشَأَتْ تُخَاطِبُ مَوْلَاهَا الَّذِي بَاعَهَا:

هَنِيئًا لَكَ الْمَالُ الَّذِي قَدْ أَخَذْتَهُ ... وَلَمْ يَبْقَ فِي كَفِّي إِلَّا تَفَكُّرِي

أَقُولُ لِنَفْسِي وَهِيَ فِي كَرْبِ غَشْيَةٍ ... أَقَلِّي فَقَدْ بَانَ الْخَلِيطُ أَوْ أَكْثَرِي

إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ عِنْدَكِ حِيلَةٌ ... وَلَمْ تَجِدِي بُدًّا مِنَ الصَّبْرِ فَاصْبِرِي

فَأَجَابَهَا سَيِّدُهَا، فَقَالَ:

وَلَوْلَا قُعُودُ الدَّهْرِ بِي عَنْكِ لَمْ يَكُنْ ... لِفُرْقَتِنَا شَيْءٌ سِوَى الْمَوْتِ فَاعْذُرِي

أَءُوبُ بِحُزْنٍ مِنْ فِرَاقِكِ مُوجِعٍ ... أُنَاجِي بِهِ قَلْبًا طَوِيلَ التَّذَكُّرِ

عَلَيْكِ سَلَامٌ لَا زِيَارَةَ بَيْنَنَا ... وَلَا وَصْلَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ابْنُ مَعْمَرِ

فَلَمَّا سَمِعَهُمَا ابْنُ مَعْمَرٍ قَدْ شَبَّبَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ لَا فَرَقْتُ بَيْنَ مُحِبَّيْنِ أَبَدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>