وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا أُوقِفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُدَّامَ الْحَجَّاجِ، قَالَ: يَا شَقِيُّ بْنَ كُسَيْرٍ، أَمَا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَجَعَلْتُكَ إِمَامًا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَمَا وَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ، فَضَجَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ: إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إِلَّا عَرَبِيٌّ. فَجَعَلْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَأَمَّرْتُهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَمَا أَعْطَيْتُكَ مِائَةَ أَلْفٍ تُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا أَخْرَجَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَيْعَةٌ كَانَتْ فِي عُنُقِي لِابْنِ الْأَشْعَثِ. فَغَضِبَ الْحَجَّاجُ، وَقَالَ: أَمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُنُقِكَ مِنْ قَبْلُ؟ ثُمَّ قَالَ: أَكَفَرْتَ إِذْ خَرَجْتَ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَا كَفَرْتُ مُنْذُ آمَنْتُ. فَقَالَ: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ أَقْتُلُكَ. فَقَالَ: اخْتَرْ أَنْتَ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ أَمَامَكَ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: يَا حَرَسِيُّ، اضْرِبْ عُنُقَهُ. وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ بِوَاسِطٍ، وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ يُزَارُ.
وَلَمَّا قَتَلَهُ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتَّى رَاعَ الْحَجَّاجَ، فَدَعَا طَبِيبًا، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَهُ، وَقَلْبُهُ حَاضِرٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْحَجَّاجَ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: قَتَلَنِي بِكُلِّ رَجُلٍ قَتَلْتُهُ قَتْلَةً، وَقَتَلَنِي بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ قَتْلَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute