ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ الصِّدِّيقُ الْجُيُوشَ إِلَى الشَّامِ وَإِلَى الْعِرَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الشَّامَ بِكَمَالِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَدِينَةُ دِمَشْقَ بِأَعْمَالِهَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ فَتْحِهَا. فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْيَدُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَيْهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ فِيهَا، وَسَاقَ بِرَّهُ إِلَيْهَا، وَكَتَبَ أَمِيرُ الْحَرْبِ إِذْ ذَاكَ، وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقِيلَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِأَهْلِ دِمَشْقَ كِتَابَ أَمَانٍ، وَأَقَرُّوا أَيْدِيَ النَّصَارَى عَلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَنِيسَةً، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ نِصْفَ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهَا كَنِيسَةَ مَرْيُحَنَّا، بِحُكْمِ أَنَّ الْبَلَدَ فَتَحَهُ خَالِدٌ مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذَتِ النَّصَارَى الْأَمَانَ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ الصُّلْحُ، فَاخْتَلَفُوا، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ جَعَلُوا نِصْفَ الْبَلَدِ صُلْحًا، وَنِصْفَهُ عَنْوَةً، فَأَخَذُوا نِصْفَ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ الشَّرْقِيَّ، فَجَعَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَسْجِدًا وَكَانَ قَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ إِمْرَةُ الشَّامِ; لِعَزْلِ عُمَرَ خَالِدًا وَتَوْلِيَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَبُو عُبَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ فِي الْبُقْعَةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْهُ; الَّتِي يُقَالُ لَهَا: مِحْرَابُ الصَّحَابَةِ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْجِدَارُ مَفْتُوحًا بِمِحْرَابٍ مَحْنِيٍّ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ عِنْدَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيدَ هُوَ الَّذِي فَتَقَ الْمَحَارِيبَ فِي الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ. وَقَدْ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَحَارِيبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute