صَرَعَتْهَا الرِّيحُ، مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبَةِ، وَسَقَطَ جَحْدَرٌ مِنْ شِدَّةِ وَثْبَةِ الْأَسَدِ; وَشِدَّةِ مَوْضِعِ الْقُيُودِ عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ الْحَجَّاجُ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، وَأَنْشَأَ جَحْدَرٌ يَقُولُ:
يَا جُمْلُ إِنَّكِ لَوْ رَأَيْتِ كَرِيهَتِي … فِي يَوْمِ هَوْلٍ مُسْدِفٍ وَعَجَاجِ
وَتَقَدُّمِي لِلَّيْثِ أَرْسُفُ مُوَثَقًا … كَيْمَا أُثَاوِرَهُ عَلَى الْأَحْرَاجِ
شَثْنٌ بَرَاثِنُهُ كَأَنَّ نُيُوبَهُ … زُرْقُ الْمَعَاوِلِ أَوْ شِبَاهُ زُجَاجِ
يَسْمُو بِنَاظِرَتَيْنِ تَحْسَبُ فِيهِمَا … لَهَبًا أَحَدُّهُمَا شُعَاعُ سِرَاجِ
وَكَأَنَّمَا خِيطَتْ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ … بَرْقَاءُ أَوْ خِرَقٌ مِنَ الدِّيبَاجِ
لَعَلِمْتِ أَنِّي ذُو حِفَاظٍ مَاجِدٌ … مِنْ نَسْلِ أَقْوَامٍ ذَوِي أَبْرَاجِ
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ:
عَلِمَ النِّسَاءُ بِأَنَّنِي لَا أَنْثَنِي … إِذْ لَا يَثِقْنَ بِغَيْرَةِ الْأَزْوَاجِ
وَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ كَرِهْتُ نِزَالَهُ … أَنِّي مِنَ الْحَجَّاجِ لَسْتُ بِنَاجِ
فَعِنْدَ ذَلِكَ خَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ إِنْ شَاءَ أَقَامَ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْطَلَقَ إِلَى بِلَادِهِ، فَاخْتَارَ الْمَقَامَ عِنْدَ الْحَجَّاجِ، فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَأَعْطَاهُ أَمْوَالًا.
وَقَدْ كَانَ الْحَجَّاجُ مَعَ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ يَلْحَنُ فِي حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنْكَرَهَا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ; مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُبْدِلُ «إِنِ» الْمَكْسُورَةَ بِ «أَنِ» الْمَفْتُوحَةِ، وَعَكْسُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute