للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ كَانَتِ الْخِلَافَةُ لَهُمْ زَيْنٌ، وَأَنْتَ زَيْنُ الْخِلَافَةِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِذَا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ وُجُوهٍ ... كَانَ لِلدُّرِّ حُسْنُ وَجْهِكَ زَيْنَا

قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ. وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ سَمَرْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَعَشِيَ السِّرَاجُ فَقُلْتُ: أَلَا أُنَبِّهُ هَذَا الْغُلَامَ يُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَا، دَعْهُ يَنَامُ. فَقُلْتُ: أَفَلَا أَقُومُ أُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَا، لَيْسَ مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ اسْتِخْدَامُ ضَيْفِهِ. ثُمَّ قَامَ بِنَفْسِهِ فَأَصْلَحَهُ وَصَبَّ فِيهِ زَيْتًا، ثُمَّ جَاءَ وَقَالَ: قُمْتُ وَأَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجِئْتُ وَأَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ النِّعَمِ فَإِنَّ ذِكْرَهَا شُكْرُهَا. وَقَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ مَخَافَةَ الْمُبَاهَاةِ. وَبَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ تُوُفِّيَ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ لِيُعَزِّيَهُمْ فِيهِ، فَصَرَخُوا فِي وَجْهِهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَهْ، إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَمْ يَكُنْ يَرْزُقُكُمْ، وَإِنَّ الَّذِي يَرْزُقُكُمْ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا، لَمْ يَسُدَّ شَيْئًا مِنْ حُفَرِكُمْ، وَإِنَّمَا سَدَّ حُفْرَةَ نَفْسِهِ، وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ حُفْرَةً لَا بُدَّ وَاللَّهِ أَنْ يَسُدَّهَا، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الدُّنْيَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِالْخَرَابِ وَعَلَى أَهْلِهَا بِالْفَنَاءِ، وَمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ حَبْرَةً إِلَّا امْتَلَأَتْ عَبْرَةً، وَلَا اجْتَمَعُوا إِلَّا تَفَرَّقُوا، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ بَاكِيًا فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>