للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فِي الْقَبْرِ وَسَاكِنِهِ، إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فِي قَبْرِهِ لَاسْتَوْحَشْتَ مِنْ قُرْبِهِ بَعْدَ طُولِ الْأُنْسِ مِنْكَ بِنَاحِيَتِهِ، وَلَرَأَيْتَ بَيْتًا تَجُولُ فِيهِ الْهَوَامُّ، وَيَجْرِي فِيهِ الصَّدِيدُ، وَتَخْتَرِقُهُ الدِّيدَانُ، مَعَ تَغَيُّرِ الرِّيحِ، وَبِلَى الْأَكْفَانِ بَعْدَ حُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَطِيبِ الرِّيحِ، وَنَقَاءِ الثَّوْبِ. قَالَ: ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَرَأَ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: ٢٤] فَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا وَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُجَاوِزَهَا. وَقَالَتِ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْهُ، وَلَا أَحَدًا أَشَدَّ فَرَقًا مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ، كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يَجْلِسُ يَبْكِي حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، ثُمَّ يَنْتَبِهُ فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ. قَالَتْ: وَلَقَدْ كَانَ يَكُونُ مَعِي فِي الْفِرَاشِ فَيَذْكُرُ الشَّيْءَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ; فَيَنْتَفِضُ كَمَا يَنْتَفِضُ الْعُصْفُورُ فِي الْمَاءِ، وَيَجْلِسُ يَبْكِي، فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ اللِّحَافَ رَحْمَةً لَهُ، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخِلَافَةِ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سُرُورًا مُنْذُ دَخَلْنَا فِيهَا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُمَا مِثْلَ الْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُهُ يَبْكِي حَتَّى بَكَى دَمًا. قَالُوا: وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَرَأَ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤] الْآيَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>