للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا وَصَلَتْنَا خُلَّةٌ كَيْ تُزِيلَنَا ... أَبَيْنَا وَقُلْنَا الْحَاجِبِيَّةُ أَوَّلُ

فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي، أَقْصَرِي عَنْ ذِكْرِهَا وَاسْمَعِي مَا أَقُولُ. ثُمَّ قَالَ:

هَلْ وَصْلُ عَزَّةَ إِلَّا وَصْلُ غَانِيَةٍ ... فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِهَا بَدَلُ

قَالَتْ: فَهَلْ لَكَ فِي الْمُجَالَسَةِ؟ قَالَ: وَمَنْ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: فَكَيْفَ بِمَا قُلْتَ فِي عَزَّةَ؟ فَقَالَ: أُقْلِبُهُ فَيَتَحَوَّلُ لَكِ. قَالَ: فَسَفَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ: أَغَدْرًا وَتَنَكُاثًا يَا فَاسِقُ؟ ! وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ. فَبُهِتَ وَأَبْلَسَ، وَلَمْ يَنْطِقْ وَتَحَيَّرَ وَخَجِلَ، ثُمَّ قَالَتْ: قَاتَلَ اللَّهُ جَمِيلًا حَيْثُ يَقُولُ:

لَحَا اللَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُ الْوُدُّ عِنْدَهُ ... وَمَنْ حَبْلُهُ إِنْ مُدَّ غَيْرُ مَتِينِ

وَمَنْ هُوَ ذُو وَجْهَيْنِ لَيْسَ بِدَائِمٍ ... عَلَى الْعَهْدِ حَلَّافٌ بِكُلِّ يَمِينِ

ثُمَّ شَرَعَ كُثَيِّرٌ يَعْتَذِرُ وَيَتَنَصَّلُ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُ، وَيَقُولُ فِي ذَلِكَ الْأَشْعَارَ ذَاكِرًا وَآثِرًا.

وَقَدْ مَاتَتْ عَزَّةُ بِمِصْرَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ وَزَارَ كُثَيِّرٌ قَبْرَهَا وَرَثَاهَا، وَتَغَيَّرَ شِعْرُهُ بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا بَالُ شِعْرِكَ تَغَيَّرَ، وَقَدْ قَصَّرَتْ فِيهِ؟ فَقَالَ: مَاتَتْ عَزَّةُ فَلَا أَطْرَبُ، وَذَهَبَ الشَّبَابُ فَلَا أَعْجَبُ، وَمَاتَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ فَلَا أَرْغَبُ، وَإِنَّمَا الشِّعْرُ عَنْ هَذِهِ الْخِلَالِ.

وَكَانَتْ وَفَاتُهُ وَوَفَاةُ عِكْرِمَةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَمِائَةٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>