للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطِيبًا، فَامْتَدَحَ أَسَدًا بِخِصَالٍ حَسَنَةٍ ; عَلَى عَقْلِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَمَنْعِهِ أَهْلَهُ وَخَاصَّتَهُ أَنْ يَظْلِمُوا أَحَدًا مِنَ الرَّعَايَا بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَأَنَّهُ قَهَرَ الْخَاقَانَ الْأَعْظَمَ، وَكَانَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ، فَكَسَرَهُ وَقَتَلَهُ، وَأَنَّهُ يَفْرَحُ بِمَا يَفِدُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ بِمَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَفْرَحُ وَأَشَدُّ سُرُورًا، فَأَثْنَى عَلَيْهِ أَسَدٌ وَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ أَسَدٌ جَمِيعَ تِلْكَ الْهَدَايَا وَالْأَمْوَالِ وَمَا هُنَالِكَ أَجْمَعُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَهُوَ عَلِيلٌ مِنْ تِلْكَ الدُّبَيْلَةِ، ثُمَّ أَفَاقَ إِفَاقَةً، وَجِيءَ بِهَدِيَّةٍ كُمِّثْرَى، فَجَعَلَ يُفَرِّقُهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَأَلْقَى إِلَى دِهْقَانِ خُرَاسَانَ وَاحِدَةً، فَانْفَجَرَتْ دُبَيْلَتُهُ، فَكَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى عَمَلِهِ جَعْفَرُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيُّ فَمَكَثَ أَمِيرًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حَتَّى جَاءَ عَهْدُ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ وَفَاةُ أَسَدٍ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ عِرْسٍ الْعَبْدِيُّ يَرْثِيهِ:

نَعَى أَسَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ نَاعٍ ... فَرِيعَ الْقَلْبُ للْمَلِكِ الْمُطَاعِ

بِبَلْخٍ وَافَقَ الْمِقْدَارَ يَسْرِي ... وَمَا لِقَضَاءِ رَبِّكَ مِنْ دِفَاعِ

فَجُودِي عَيْنُ بِالْعَبَرَاتِ سَحًّا ... أَلَمْ يُحْزِنْكِ تَفْرِيقُ الْجِمَاعِ

أَتَاهُ حِمَامُهُ فِي جَوْفِ صِيغٍ ... وَكَمْ بِالصِّيغِ مِنْ بَطَلٍ شُجَاعِ

كَتَائِبُ قَدْ يُجِيبُونَ الْمُنَادِي ... عَلَى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ سِرَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>