للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَلَيْتِنِي وَإِيَّاهُ سَتَرَى مَا يَصْنَعُ. فَأَمَرَ بِإِخْلَائِهَا مَعَ جَرِيرٍ فِي مَكَانٍ يَرَاهُمَا وَلَا يَشْعُرُ جَرِيرٌ بِشَيْءٍ، مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا جَرِيرُ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: هَا أَنَا ذَا. فَقَالَتْ: أَنْشِدْنِي مِنْ قَوْلِكَ كَذَا وَكَذَا. لِشِعْرٍ فِيهِ رِقَّةٌ وَتَحْنُّنٌ. فَقَالَ: لَسْتُ أَحْفَظُهُ، وَلَكِنْ أَحْفَظُ كَذَا وَكَذَا. وَيُعْرِضُ عَنْ ذَاكَ، وَيُنْشِدُهَا شِعْرًا فِي مَدْحِ الْحَجَّاجِ فَقَالَتْ: لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا، إِنَّمَا أُرِيدُ كَذَا وَكَذَا. فَيُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَنْشُدُهَا فِي مَدْحِ الْحَجَّاجِ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لِلَّهِ دَرُّكَ، أَبَيْتَ إِلَّا كَرَمًا وَتَكَرُّمًا.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَنْشَدْتُ أَعْرَابِيًّا بَيْتًا لِجَرِيرٍ الْخَطَفَى:

أَبُدِّلَ اللَّيْلُ لَا تَجْرِي كَوَاكِبُهُ … أَوْ طَالَ حَتَّى حَسِبْتُ النَّجْمَ حَيْرَانَا

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إِنَّ هَذَا حَسَنٌ فِي مَعْنَاهُ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ، وَلَكِنِّي أَنْشُدُكَ فِي ضِدِّهِ مِنْ قَوْلِي:

وَلَيْلٍ لَمْ يُقَصِّرْهُ رُقَادٌ … وَقَصَّرَهُ لَنَا وَصْلُ الْحَبِيبِ

نَعِيمُ الْحُبِّ أَوْرَقَ فِيهِ حَتَّى … تَنَاوَلْنَا جَنَاهُ مِنْ قِرِيبِ

بِمَجْلِسِ لَذَّةٍ لَمْ نَقْفِ فِيهِ … عَلَى شَكْوَى وَلَا عَيْبِ الذُّنُوبِ

فَحُلْنَا أَنْ نُقَطِّعَهُ بِلَفْظٍ … فَتَرْجَمَتِ الْعُيونُ عَنِ الْقُلُوبِ

فَقُلْتُ لَهُ: زِدْنِي. قَالَ: أَمَّا مِنْ هَذَا فَحَسْبُكَ، وَلَكِنْ أُنْشِدُكَ غَيْرَهُ. فَأَنْشَدَنِي:

وَكُنْتُ إِذَا عَقَدْتُ حِبَالَ قَوْمٍ … صَحِبْتُهُمْ وَشِيمَتِيَ الْوَفَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>