للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَتُعْجَبُ بِرَأْيِكَ. فَقَالَ: لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ أَقْضِ بِهِ.

وَقَالَ لَهُ آخَرُ: إِنَّ فِيكَ خِصَالًا لَا تُعْجِبُنِي. فَقَالَ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: تَحْكُمُ قَبْلَ أَنْ تَفْهَمَ، وَتُجَالِسَ كُلَّ أَحَدٍ، وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الْغَلِيظَةَ. فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا أَكْثَرُ ; الثَّلَاثَةُ أَوِ الِاثْنَانِ؟ قَالَ: الثَّلَاثَةُ. فَقَالَ: مَا أَسْرَعَ مَا فَهِمْتَ وَأَجَبْتَ. فَقَالَ: أَوَ يَجْهَلُ هَذَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ مَا أَحْكَمُ أَنَا بِهِ، وَأَمَّا مُجَالَسَتِي لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ مَنْ يَعْرِفُ لِي قَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِي قَدْرِي، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَإِنَّمَا أَلْبَسُ مِنْهَا مَا يَقِينِي لَا مَا أَقِيهِ أَنَا.

قَالُوا: وَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قَدْ أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْآخَرِ مَالًا، وَجَحَدَهُ الْآخَرُ، فَقَالَ إِيَاسٌ لِلْمُودِعِ: أَيْنَ أَوْدَعْتَهُ؟ قَالَ: عِنْدَ شَجَرَةٍ فِي بُسْتَانٍ. فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَيْهَا، فَقِفْ عِنْدَهَا لَعَلَّكَ تَتَذَكَّرُ. فَانْطَلَقَ. وَجَلَسَ الْآخَرُ، فَجَعَلَ إِيَاسٌ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُلَاحِظُهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَوْصَلَ صَاحِبُكَ بَعْدُ إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: لَا بَعْدُ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ: قُمْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَأَدِّ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَكَالًا. وَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَ مَعَهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ وَدِيعَتَهُ بِكَمَالِهَا.

وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ أَوْدَعْتُ عِنْدَ فُلَانٍ مَالًا، وَقَدْ جَحَدَنِي. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبِ الْآنَ وَائْتِنِي غَدًا. وَبَعَثَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْجَاحِدِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>