للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ نَظَرَ إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ مِنْ حِسَانِ نِسَاءِ النَّصَارَى اسْمُهَا سَفْرَى فَأَحَبَّهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهَا يُرَاوِدُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، فَأَلَحَّ عَلَيْهَا، وَعَشِقَهَا، فَلَمْ تُطَاوِعْهُ، فَاتَّفَقَ اجْتِمَاعُ النَّصَارَى فِي بَعْضِ كَنَائِسِهِمْ لِعِيدٍ لَهُمْ، فَذَهَبَ الْوَلِيدُ إِلَى بُسْتَانٍ هُنَاكَ، فَتَنَكَّرَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ مُصَابٌ، فَخَرَجَ النِّسَاءُ مِنَ الْكَنِيسَةِ إِلَى الْبُسْتَانِ، فَرَأَيْنَهُ فَأَحْدَقْنَ بِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ سَفْرَى وَيُمَازِحُهَا وَتُضَاحِكُهُ وَلَا تَعْرِفُهُ، حَتَّى اشْتَفَى مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قِيلَ لَهَا: وَيْحَكِ! أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَتْ: لَا. فَقِيلَ لَهَا: هُوَ الْوَلِيدُ. فَلَمَّا تَحَقَّقَتْ ذَلِكَ حَنَّتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَيْهَا. فَقَالَ الْوَلِيدُ فِي ذَلِكَ:

أَضْحَى فُؤَادُكَ يَا وَلِيدُ عَمِيدَا ... صَبًّا قَدِيمًا للْحِسَانِ صَيُودَا

مِنْ حَبِّ وَاضِحَةِ الْعَوَارِضِ طِفْلَةٍ ... بَرَزَتْ لَنَا نَحْوَ الْكَنِيسَةِ عِيدَا

مَا زِلْتُ أَرْمُقُهَا بِعَيْنَيْ وَامِقٍ ... حَتَّى بَصُرْتُ بِهَا تُقَبِّلُ عُودَا

عُودَ الصَّلِيبِ فَوَيْحُ نَفْسِيَ مَنْ رَأَى ... مِنْكُمْ صَلِيبًا مِثْلَهُ مَعْبُودَا

فَسَأَلْتُ رَبِّيَ أَنْ أَكُونَ مَكَانَهُ ... وَأَكُونَ فِي لَهَبِ الْجَحِيمِ وَقُودَا

وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُ، وَعَلِمَ بِحَالِهِ النَّاسُ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا وَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ:

أَلَّا حَبَّذَا سَفْرَى وَإِنْ قِيلَ إِنَّنِي ... كَلِفْتُ بِنَصْرَانِيَّةٍ تَشْرَبُ الْخَمْرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>