وَمَنْ لَمْ يَطِبْ حَرْثُهُ لَمْ يَزْكُ نَبْتُهُ، وَالْفُرُوعُ عِنْدَ مَغَارِسِهَا تَنْمُو، وَبِأُصُولِهَا تَسْمُو.
وَرَوَى الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْهَيْثَمِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَدِمَ عَلَى خَالِدٍ فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً امْتَدَحَهُ بِهَا يَقُولُ فِيهَا:
إِلَيْكَ ابْنَ كُرْزِ الْخَيْرِ أَقْبَلْتُ رَاغِبًا … لِتَجَبُرَ مِنِّي مَا وَهَى وَتَبَدَّدَا
إِلَى الْمَاجِدِ الْبُهْلُولِ ذِي الْحِلْمِ وَالنَّدَى … وَأَكْرَمِ خَلْقِ اللَّهِ فَرْعًا وَمَحْتِدَا
إِذَا مَا أُنَاسٌ قَصَّرُوا بِفِعَالِهِمْ … نَهَضَتْ فَلَمْ تُلْفَى هُنَالِكَ مُقْعَدَا
فَيَالَكَ بَحْرًا يَغْمُرُ النَّاسَ مَوْجُهُ … إِذَا يُسْأَلُ الْمَعْرُوفَ جَاشَ وَأَزْبَدَا
بَلَوْتُ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ … فَأَلْفَيْتُ خَيْرَ النَّاسِ نَفْسًا وَأَمْجَدَا
فَلَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّاسِ خَالِدٌ … لِجُودٍ بِمَعْرُوفٍ لَكُنْتُ مُخَلَّدًا
فَلَا تَحْرِمَنِّي مِنْكَ مَا قَدْ رَجَوْتُهُ … فَيُصْبِحَ وَجْهِي كَالِحَ اللَّوْنِ أَرْبَدَا
قَالَ: فَحَفِظَهَا خَالِدٌ فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ خَالِدٍ قَامَ الْأَعْرَابِيُّ يَنْشُدُهَا، فَابْتَدَرَهُ إِلَيْهَا خَالِدٌ فَأَنْشَدَهَا قَبْلَهُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّ هَذَا شِعْرٌ قَدْ سَبَقْنَاكَ إِلَيْهِ. فَنَهَضَ الشَّيْخُ، فَوَلَّى ذَاهِبًا، فَأَتْبَعَهُ خَالِدٌ مَنْ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ، فَإِذَا هُوَ يُنْشِدُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
أَلَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْتَجِي … لَدَيْهِ وَمَا لَاقَيْتُ مِنْ نَكَدِ الْجُهْدِ
دَخَلْتُ عَلَى بَحْرٍ يَجُودُ بِمَالِهِ … وَيُعْطِي كَثِيرَ الْمَالِ فِي طَلَبِ الْحَمْدِ
فَخَالَفَنِي الْجَدُّ الْمَشُومُ لِشِقْوَتِي … وَقَارَبَنِي نَحْسِي وَفَارَقَنِي سَعْدِي
فَلَوْ كَانَ لِي رِزْقٌ لَدَيْهِ لَنِلْتُهُ … وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ
فَرَدَّهُ إِلَى خَالِدٍ وَأَعْلَمَهُ بِمَا كَانَ يَقُولُ، فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.