للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ. فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ فَأَكْرَمَهُ، وَوَعَدَهُ بِنِيَابَةِ خُرَاسَانَ إِنْ هُوَ رَدَّهُ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ لَهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُمْ مُعَظِّمِينَ لَكَ يَعْرِفُونَ قَدْرَكَ. فَغَرَّهُ ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَاسْتَشَارَ أَمِيرًا يُقَالُ لَهُ: نَيْزَكُ. فَنَهَاهُ، فَصَمَّمَ عَلَى الذَّهَابِ، فَلَمَّا رَآهُ نَيْزَكُ عَازِمًا عَلَى الذَّهَابِ تَمَثَّلَ نَيْزَكُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

مَا لِلرِّجَالِ مَعَ الْقَضَاءِ مَحَالَةٌ ... ذَهَبَ الْقَضَاءُ بِحِيلَةِ الْأَقْوَامِ

ثُمَّ قَالَ لَهُ: احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، ثُمَّ بَايِعْ مَنْ شِئْتَ بِالْخِلَافَةِ; فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُخَالِفُونَكَ. وَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى الْمَنْصُورِ يُعْلِمُهُ بِقُدُومِهِ عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو أَيُّوبَ كَاتِبُ الرَّسَائِلِ: فَدَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ وَهُوَ فِي خِبَاءِ شِعْرٍ بِالرُّومِيَّةِ جَالِسًا عَلَى مُصَلَّاهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ كِتَابٌ، فَأَلْقَاهُ إِلَيَّ فَإِذَا هُوَ كِتَابُ أَبِي مُسْلِمٍ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ الْخَلِيفَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْهُ لِأَقْتُلَنَّهُ. قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَا يَأْتِينِي نَوْمٌ، وَفَكَّرْتُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَقُلْتُ: إِنْ دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ خَائِفًا رُبَّمَا يَبْدُو أَنَّهُ يَبْدُرُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ يَدْخُلَ آمِنًا لِيَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَبْتُ رَجُلًا مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَتَوَلَّى مَدِينَةَ كَسْكَرٍ; فَإِنَّهَا مُغِلَّةٌ فِي هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>