فَنَشِبَتِ الْحَرْبُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ جَيْشُ عِيسَى بْنِ مُوسَى فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ آلَافٍ، عَلَى الْمُقَدِّمَةِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ مُحَمَّدٌ ابْنُ السَّفَّاحِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ دَاوُدُ بْنُ كَرَّازٍ، وَعَلَى السَّاقَةِ الْهَيْثَمُ بْنُ شُعْبَةَ، وَمَعَهُمْ عُدَدٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، وَفَرَّقَ عِيسَى أَصْحَابَهُ، فِي كُلِّ قُطْرٍ طَائِفَةً، وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرِ وَاقْتَتَلَ الْفَرِيقَانِ قِتَالًا شَدِيدًا جِدًّا، وَتَرَجَّلَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْأَرْضِ فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَتَلَ بِيَدِهِ مِنْ أُولَئِكَ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَأَحَاطَ بِهِمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمُ الْخَنْدَقَ الَّذِي كَانُوا حَفَرُوهُ، وَعَمِلُوا أَبْوَابًا عَلَى قَدْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ رَدَمُوهُ بِحَدَائِجِ الْإِبِلِ حَتَّى أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَجُوزُوهُ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يَزَلِ الْقِتَالُ نَاشِبًا بَيْنَهُمْ مِنْ بُكْرَةِ النَّهَارِ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعَصْرُ، فَلَمَّا صَلَّى مُحَمَّدٌ الْعَصْرَ نَزَلَ إِلَى مَسِيلِ الْوَادِي بِسَلْعٍ، فَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَعَقَرَ فَرَسَهُ، وَفَعَلَ أَصْحَابُهُ مِثْلَهُ، وَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقِتَالِ وَحَمِيَتِ الْحَرْبُ حِينَئِذٍ جِدًّا، فَاسْتَظْهَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَرَفَعُوا رَايَةً سَوْدَاءَ فَوْقَ سَلْعٍ، ثُمَّ دَنَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلُوهَا وَنَصَبُوا رَايَةً سَوْدَاءَ فَوْقَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ تَنَادَوْا: دُخِلَتِ الْمَدِينَةُ. وَهَرَبُوا وَبَقِيَ مُحَمَّدٌ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ جِدًّا. ثُمَّ بَقِيَ وَحْدَهُ وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ صَلْتٌ يَضْرِبُ بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute