فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَنَعَى إِلَى النَّاسِ أَخَاهُ مُحَمَّدًا، فَازْدَادَ النَّاسُ حَنَقًا عَلَى الْمَنْصُورِ، وَأَصْبَحَ فَعَسْكَرَ بِالنَّاسِ، وَاسْتَنَابَ عَلَى الْبَصْرَةِ نُمَيْلَةَ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ حَسَنًا مَعَهُ.
وَلَمَّا بَلَغَ الْمَنْصُورَ خَبَرُهُ تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، وَجَعَلَ يَتَأَسَّفُ عَلَى مَا فَرَّقَ مِنْ جُنْدِهِ فِي الْمَمَالِكِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ مَعَ ابْنِهِ الْمَهْدِيِّ ثَلَاثِينَ أَلْفًا إِلَى الرَّيِّ، وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَالْبَاقُونَ مَعَ عِيسَى بْنِ مُوسَى بِالْحِجَازِ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ فِي مُعَسْكَرِهِ سِوَى أَلْفَيْ فَارِسٍ فَكَانَ يَأْمُرُ بِالنِّيرَانِ الْكَثِيرَةِ، فَتُوقَدُ لَيْلًا، فَيَحْسَبُ النَّاظِرُ أَنَّ هُنَاكَ جُنُودًا كَثِيرَةً، ثُمَّ كَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى وَهُوَ بِالْحِجَازِ بَعْدَ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ: إِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا، فَأَقْبِلْ مِنْ فَوْرِكَ، وَدَعْ كُلَّ مَا أَنْتَ فِيهِ. فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ وَلَا يَهُولَنَّكَ كَثْرَةُ مَنْ مَعَهُ، فَإِنَّهُمَا جَمَلَا بَنِي هَاشِمٍ الْمَقْتُولَانِ جَمِيعًا، فَابْسُطْ يَدَكَ، وَثِقْ بِمَا عِنْدَكَ، وَسَتَذْكُرُ مَا أَقُولُ لَكَ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمَنْصُورُ.
وَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَى ابْنِهِ الْمَهْدِيِّ أَنْ يُوَجِّهَ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا، فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَائِبَ إِبْرَاهِيمَ - وَهُوَ الْمُغِيرَةُ - وَأَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَرَجَعَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَذَلِكَ بَعَثَ إِلَى كُلِّ كُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكُوَرِ الَّتِي خَلَعَتْ يَرُدُّونَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ. قَالُوا: وَلَزِمَ الْمَنْصُورُ مَوْضِعَ مُصَلَّاهُ، فَلَا يَبْرَحُ فِيهِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فِي بِذْلَةِ ثِيَابٍ عَلَيْهِ قَدِ اتَّسَخَتْ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا هُنَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute