يَلِي الْخَنْدَقَ، وَكَانَ اسْتِتْمَامُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذُكِرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ الْمَنْصُورَ عَرَضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ وَالْمَظَالِمَ فَامْتَنَعَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُقْلِعَ عَنْهُ حَتَّى يَعْمَلَ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَدَعَا بِقَصَبَةٍ، فَعَدَّ اللَّبِنَ لِيُبِرَّ بِذَلِكَ يَمِينَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَمَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَغْدَادَ.
وَذَكَرَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ بَرْمَكَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْمَنْصُورِ بِبِنَائِهَا، وَأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِثًّا فِيهَا، وَقَدْ شَاوَرَ الْمَنْصُورُ الْأُمَرَاءَ فِي نَقْلِ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْمَدَائِنِ إِلَى بَغْدَادَ لِأَجْلِ قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِهَا، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ آيَةٌ فِي الْعَالَمِ، وَفِيهِ مُصَلَّى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخَالَفَهُ وَنَقَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمْ يَفِ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ بِأُجْرَةِ مَا يُصْرَفُ فِي حَمْلِهِ، فَتَرَكَهُ، وَنَقَلَ أَبْوَابَ وَاسِطَ إِلَى أَبْوَابِ بَغْدَادَ، وَقَدْ كَانَ الْحَجَّاجُ نَقَلَهَا مِنْ مَدِينَةٍ هُنَاكَ كَانَتْ مِنْ بِنَاءِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَكَانَتِ الْجِنُّ قَدْ عَمِلَتْ تِلْكَ الْأَبْوَابَ.
وَقَدْ كَانَتِ الْأَسْوَاقُ قَرِيبًا مِنْ قَصْرِ الْإِمَارَةِ، فَكَانَتْ أَصْوَاتُ الْبَاعَةِ وَهَوْشَاتُ الْأَسْوَاقِ تُسْمَعُ مِنْهُ، فَعَابَ ذَلِكَ بَعْضُ بَطَارِقَةِ النَّصَارَى مِمَّنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ الرَّسَائِلِ مِنَ الرُّومِ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِنَقْلِ الْأَسْوَاقِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute