للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

وَقَدْ قَالَ الْمَنْصُورُ لِابْنِهِ الْمَهْدِيِّ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا التَّقْوَى، وَالسُّلْطَانَ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الطَّاعَةُ، وَالرَّعِيَّةَ لَا يُصْلِحُهَا إِلَّا الْعَدْلُ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ، وَأَنْقَصُ النَّاسِ عَقْلًا مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونَهُ.

وَقَالَ أَيْضًا: يَا بُنَيَّ، اسْتَدِمِ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ، وَالْقُدْرَةَ بِالْعَفْوِ، وَالطَّاعَةَ بِالتَّأْلِيفِ، وَالنَّصْرَ بِالتَّوَاضُعِ وَالرَّحْمَةِ لِلنَّاسِ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَنَصِيبَكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.

وَحَضَرَ عِنْدَهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ يَوْمًا، وَقَدْ أَمَرَ بِرَجُلٍ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ، وَأَحْضَرَ النِّطْعَ وَالسَّيْفَ، فَقَالَ لَهُ مُبَارَكٌ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ عَفَا» . فَأَمَرَ بِالْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ. ثُمَّ أَخَذَ يُعَدِّدُ عَلَى جُلَسَائِهِ عَظِيمَ جَرَائِمِهِ وَمَا كَانَ صَنَعَهُ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أُتِيَ الْمَنْصُورُ بِرَجُلٍ لِيُعَاقِبَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الِانْتِقَامُ عَدْلٌ، وَالْعَفْوُ فَضْلٌ، وَنُعِيذُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِأَوْكَسِ النَّصِيبَيْنِ، دُونَ أَنْ يَبْلُغَ أَرْفَعَ الدَّرَجَتَيْنِ. قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>