فَأَطْرَقَ مَلِيًّا - وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا - ثُمَّ أَمَرَ بِسَجْنِهِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ.
وَجَاءَ يَوْمًا إِلَيْهِ أَخُوهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ، فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ بَعِيدًا عَنْهُ، فَجَعَلَ الْهَادِي يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ: يَا هَارُونُ، أَتَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَا الْمَهْدِيِّ حَقًّا؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ، وَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَأَصِلَنَّ مَنْ قَطَعْتَ، وَلَأُنْصِفَنَّ مَنْ ظَلَمْتَ، وَلَأُزَوِّجَنَّ بَنِيكَ مِنْ بَنَاتِي. فَقَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ. فَقَامَ إِلَيْهِ هَارُونُ لِيُقَبِّلَ يَدَهُ، فَحَلَفَ الْهَادِي لَيَجْلِسَنَّ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَجَلَسَ مَعَهُ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ يَدْخُلَ الْخَزَائِنَ فَيَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَإِذَا جَاءَ الْخَرَاجُ فَلْيُدْفَعْ إِلَيْهِ نِصْفُهُ. فَفُعِلَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَرَضِيَ الْهَادِي عَنِ الرَّشِيدِ. ثُمَّ سَافَرَ إِلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ مِنْهَا، فَمَاتَ بِعِيسَابَاذَ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ لِلنِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ - وَقِيلَ: الْآخَرُ - سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ. وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَةً وَشَهْرًا وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَكَانَ طَوِيلًا جَمِيلًا أَبْيَضَ بِشَفَتِهِ الْعُلْيَا تَقَلُّصٌ.
وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ خَلِيفَةٌ، وَهُوَ الْهَادِي، وَوَلِيَ خَلِيفَةٌ، وَهُوَ الرَّشِيدُ، وَوُلِدَ خَلِيفَةٌ، وَهُوَ الْمَأْمُونُ ابْنُ الرَّشِيدِ. وَقَدْ كَانَتِ الْخَيْزُرَانُ أُمُّ الْخَلِيفَةِ قَالَتْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُولَدُ اللَّيْلَةَ خَلِيفَةٌ، وَيَمُوتُ خَلِيفَةٌ، وَيَتَوَلَّى خَلِيفَةٌ. يُقَالُ: إِنَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْزَاعِيِّ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَقَدْ سَرَّهَا ذَلِكَ جِدًّا. وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَمَّتِ وَلَدَهَا الْهَادِيَ خَوْفًا عَلَى ابْنِهَا الرَّشِيدِ مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute