وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ بُرْهَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَادِرُ جَارِيَةٌ كَانَتْ لِمُوسَى الْهَادِي، وَكَانَ يُحِبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا جِدًّا، وَكَانَتْ تُحْسِنُ الْغِنَاءَ جَيِّدًا، فَبَيْنَمَا هِيَ يَوْمًا تُغَنِّيهِ إِذْ أَخَذَتْهُ فِكْرَةٌ غَيَّبَتْهُ عَنْهَا، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَسَأَلَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: مَا هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَخَذَتْنِي فِكْرَةٌ; أَنِّي أَمُوتُ، وَأَنَّ أَخِي هَارُونَ يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدِي، وَيَتَزَوَّجُ جَارِيَتِي هَذِهِ. فَفَدَاهُ الْحَاضِرُونَ، وَدَعَوْا لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ، فَاسْتَدْعَى أَخَاهُ هَارُونَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا وَقَعَ فِي فِكْرِهِ، فَعَوَّذَهُ الرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَحْلَفَهُ الْهَادِي بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ مَاشِيًا حَافِيًا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا، فَحَلَفَ لَهُ، وَاسْتَحْلَفَ الْجَارِيَةَ بِالْحَجِّ وَالْعَتَاقِ، فَحَلَفَتْ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعَثَ الرَّشِيدُ إِلَيْهَا يَخْطُبُهَا، فَقَالَتْ: كَيْفَ بِالْأَيْمَانِ الَّتِي حَلَفْتُهَا وَحَلَفْتَهَا؟ فَقَالَ: أَنَا أُكَفِّرُ عَنْكِ وَعَنِّي. وَتَزَوَّجَهَا فَحَظِيَتْ عِنْدَهُ أَيْضًا جِدًّا حَتَّى كَانَتْ تَنَامُ فِي حِجْرِهِ فَلَا يَتَحَرَّكُ خَشْيَةَ أَنْ يُزْعِجَهَا مِنْ مَنَامِهَا، فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمَةٌ مَعَهُ إِذِ انْتَبَهَتْ مَذْعُورَةً تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأَيْتُ الْهَادِي مَوْلَايَ فِي مَنَامِي هَذَا وَهُوَ يَقُولُ:
أَخْلَفْتِ عَهْدِي بَعْدَ مَا ... جَاوَرْتُ سُكَّانَ الْمَقَابِرْ
وَنَسِيتِنِي وَحَنَثْتِ فِي ... أَيْمَانِكَ الْكُذُبِ الْفَوَاجِرْ
وَنَكَحْتِ غَادِرَةً أَخِي ... صَدَقَ الَّذِي سَمَّاكِ غَادِرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute