مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ الْخَبِيصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِمٌ.
وَقَدِمَ مَرَّةً إِلَى الرَّقَّةِ، وَبِهَا هَارُونُ الرَّشِيدُ، فَلَمَّا دَخَلَهَا انْجَفَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ حَوْلَهُ، فَأَشْرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِلرَّشِيدِ مِنْ قَصْرٍ هُنَاكَ فَقَالَتْ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقِيلَ لَهَا: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ خُرَاسَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. فَانْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: هَذَا هُوَ الْمُلْكُ، لَا مُلْكَ هَارُونَ الرَّشِيدِ الذى يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ.
وَخَرَجَ مَرَّةً إِلَى الْحَجِّ، فَاجْتَازَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ، فَمَاتَ طَائِرٌ مَعَهُمْ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ، وَسَارَ أَصْحَابُهُ أَمَامَهُ وَتَخَلَّفَ هُوَ وَرَاءَهُمْ، فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَزْبَلَةِ إِذَا جَارِيَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ دَارٍ قَرِيبَةٍ مِنْهَا، فَأَخَذَتْ ذَلِكَ الطَّائِرَ الْمَيِّتَ، فَكَشَفَ عَنْ أَمْرِهَا وَفَحَصَ، حَتَّى سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: أَنَا وَأُخْتِي هَاهُنَا، لَيْسَ لَنَا شَيْءٌ إِلَّا هَذَا الْإِزَارَ، وَقَدْ حَلَّتْ لَنَا الْمَيْتَةُ، وَكَانَ أَبُونَا لَهُ مَالٌ= عَظِيمٌ، فَظُلِمَ وَأُخِذَ مَالُهُ وَقُتِلَ. فَأَمَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِرَدِّ الْأَحْمَالِ، وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: كَمْ مَعَكَ مِنَ النَّفَقَةِ؟ فَقَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ. فَقَالَ: عُدَّ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا تَكْفِينَا إِلَى مَرْوَ، وَأَعْطِهَا الْبَاقِيَ، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ حَجِّنَا فِي هَذَا الْعَامِ. ثُمَّ رَجَعَ.
وَكَانَ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ عَزَمَ مِنْكُمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute