وَقَدْ كَانَ نَائِبَهُ عَلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ بَغْدَادَ. وَمَنْ زَعَمَ مِنَ الرُّوَاةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اجْتَمَعَ بِأَبِي يُوسُفَ كَمَا يَقُولُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ الْكَذَّابُ فِي الرِّحْلَةِ الَّتِي سَاقَهَا الشَّافِعِيُّ، فَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا وَرَدَ بَغْدَادَ فِي أَوَّلِ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا إِلَيْهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ. وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَنَآنٌ، كَمَا قَدْ يَذْكُرُهُ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِهَذَا الشَّأْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ يَعْقُوبُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ طَهْمَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ السُّلَمِيِّ، اسْتَوْزَرَهُ الْمَهْدِيُّ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ، وَحَظِيَ عِنْدَهُ جِدًّا، ثُمَّ لَمَّا أَمَرَهُ بِقَتْلِ ذَلِكَ الْعَلَوِيِّ فَأَرْسَلَهُ، وَنَمَّتْ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، سَجَنَهُ فِي بِئْرٍ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ، وَنَبَتَ عَلَيْهِ شَعْرٌ كَمَا يَنْبُتُ شَعْرُ الْأَنْعَامِ، وَعَمِيَ، وَيُقَالُ: عَشِيَ بَصَرُهُ، وَمَكَثَ نَحْوًا مِنْ خَمْسَ عَشْرَ سَنَةً فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا يَرَى شَيْئًا، وَلَا يَسْمَعُ صَوْتًا إِلَّا حِينَ الصَّلَوَاتِ يُعْلَمُ بِهِ، وَيُدَلَّى إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفٌ وَكُوزُ مَاءٍ، حَتَّى انْقَضَتْ أَيَّامُ الْمَهْدِيِّ وَأَيَّامُ الْهَادِي وَصَدْرٌ مِنْ خِلَافَةِ الرَّشِيدِ، قَالَ يَعْقُوبُ: فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ:
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ... يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
فَيَأَمَنَ خَائِفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ ... وَيَأْتِي أَهْلَهُ النَّائِي الْغَرِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute