وَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ لَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ مَوْقِفًا، فَانْظُرْ أَيْنَ مُنْصَرَفُكَ; إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟ فَبَكَى الرَّشِيدُ حَتَّى كَادَ يَمُوتُ.
وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: الْكَاظِمُ. وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ وَالْمُرُوءَةِ، إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ يُؤْذِيهِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالتُّحَفِ وَالذَّهَبِ، وُلِدَ لَهُ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَرْبَعُونَ نَسَمَةً. وَأَهْدَى لَهُ مَرَّةً عَبْدٌ عَصِيدَةً فَاشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الْمَزْرَعَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَأَعْتَقَهُ، وَوَهَبَهَا لَهُ.
وَقَدِ اسْتَدْعَاهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى بَغْدَادَ فَحَبَسَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي رَأَى الْمَهْدِيُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: ٢٢] . فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ مِنَ السِّجْنِ لَيْلًا، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَعَانَقَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا مِنْ شَأْنِي. فَقَالَ: صَدَقْتَ. وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَأَمَرَ بِهِ فَرُدَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَزَلْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى كَانَتْ خِلَافَةُ الرَّشِيدِ فَحَجَّ، فَلَمَّا دَخَلَ لِيُسَلِّمَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا ابْنِ عَمِّ. فَقَالَ مُوسَى: السَّلَامُ عَلَيْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute