للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَانَ الْكِسَائِيُّ أَخَذَ عَنِ الْخَلِيلِ صِنَاعَةَ النَّحْوِ، فَسَأَلَهُ يَوْمًا: عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ بَوَادِي الْحِجَازِ. فَرَحَلَ الْكِسَائِيُّ إِلَى هُنَاكَ، فَكَتَبَ عَنِ الْعَرَبِ شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ - وَمِنْ هِمَّتِهِ الْعَوْدُ - إِلَى الْخَلِيلِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، وَتَصَدَّرَ فِي مَوْضِعِهِ يُونُسُ، فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا مُنَاظَرَاتٌ أَقَرَّ لَهُ فِيهَا يُونُسُ وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: صَلَّيْتُ يَوْمًا بِالرَّشِيدِ، فَأَعْجَبَتْنِي قِرَاءَتِي، فَغَلِطْتُ غَلْطَةً مَا غَلِطَهَا صَبِيٌّ، أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٦٨] . فَقُلْتُ: لَعَلَّهُمْ يَرجِعِينَ. فَمَا تَجَاسَرَ الرَّشِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا، لَكِنْ لَمَّا سَلَّمْتُ قَالَ: أَيُّ لُغَةٍ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ. فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقِيتُ الْكِسَائِيَّ فَإِذَا هُوَ مَهْمُومٌ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ قَدْ وَجَّهَ إِلَيَّ يَسْأَلُنِي عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْشَى مِنَ الْخَطَأِ. فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ مَا شِئْتَ فَأَنْتَ الْكِسَائِيُّ. فَقَالَ: قَطْعُهُ اللَّهُ - يَعْنِي لِسَانَهُ - إِنْ قُلْتُ مَا لَمْ أَعْلَمْ.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: قُلْتُ يَوْمًا لِنَجَّارٍ: بِكَمْ هَذَانَ الْبَابَانِ؟ فَقَالَ: بَسَلْحَتَانِ يَا مَصْفَعَانِ.

تُوُفِّيَ الْكِسَائِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، عَنْ سَبْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>