للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ مَعَ الرَّشِيدِ فِي الْحَجِّ، فَمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَإِذَا عَلَى شَفِيرِهِ امْرَأَةٌ صَبِيَّةٌ حَسْنَاءُ بَيْنَ يَدَيْهَا قَصْعَةٌ، وَهِيَ تَسْأَلُ فِيهَا، وَتَقُولُ:

طَحْطَحَتْنَا طَحَاطِحُ الْأَعْوَامِ … وَرَمَتْنَا حَوَادِثُ الْأَيَّامِ

فَأَتَيْنَاكُمْ نَمُدُّ أَكُفًّا … لِفَضَالَاتِ زَادِكُمْ، وَالطَّعَامِ

فَاطْلُبُوا الْأَجْرَ، وَالْمَثُوبَةَ فِينَا … أَيُّهَا الزَّائِرُونَ بَيْتَ الْحَرَامِ

مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي، وَرَحْلِي … فَارْحَمُوا غُرْبَتِي، وَذُلَّ مَقَامِي

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَذَهَبْتُ إِلَى الرَّشِيدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِهَا، فَجَاءَ بِنَفْسِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهَا، فَسَمِعَهَا فَرَحِمَهَا وَبَكَى، وَأَمَرَ مَسْرُورًا الْخَادِمَ أَنْ يَمْلَأَ قَصْعَتَهَا ذَهَبًا، فَمَلَأَهَا حَتَّى جَعَلَتْ تَفِيضُ يَمِينًا، وَشِمَالًا.

وَسَمِعَ مَرَّةً الرَّشِيدُ أَعْرَابِيًّا يَحْدُو إِبِلَهُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، وَهُوَ يَقُولُ:

يَا أَيُّهَا الْمُجْمِعُ هَمًّا لَا تُهَمْ

إِنَّكَ إِنْ تُقْضَى لَكَ الْحُمَّى تُحَمْ

كَيْفَ تَوَقِّيكَ وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>