للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعْتَزِّ قَالَ مُؤَدِّبُهُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، هَذَا الَّذِي أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّبَكَ. فَقَالَ: إِنْ عَلَّمَنِي شَيْئًا تَعَلَّمْتُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَعَجِبْتُ مِنْ ذَكَائِهِ فِي صِغَرِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا. ثُمَّ خَرَجَ أَحْمَدُ عَنْهُمْ وَهُوَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ مَقْتِهِ، وَغَضَبِهِ.

ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَذِنَ لَهُ الْخَلِيفَةُ بِالِانْصِرَافِ، وَهَيَّأَ لَهُ حَرَّاقَةً فَلَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَنْحَدِرَ فِيهَا بَلْ رَكِبَ فِي زَوْرَقٍ فَدَخَلَ بَغْدَادَ مُخْتَفِيًا، وَأَمَرَ أَنْ تُبَاعَ تِلْكَ الْخِلْعَةُ، وَأَنْ يُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَجَعَلَ أَيَّامًا يَتَأَلَّمُ مِنَ اجْتِمَاعِهِ بِهِمْ وَيَقُولُ: سَلِمْتُ مِنْهُمْ طُولَ عُمْرِي، ثُمَّ ابْتُلِيتُ بِهِمْ فِي آخِرِهِ، وَكَانَ قَدْ جَاعَ عِنْدَهُمْ جُوعًا عَظِيمًا كَثِيرًا حَتَّى كَادَ يَهْلِكُ مِنَ الْجُوعِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ لِلْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ الْخَلِيفَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ لَا يَأْكُلُ لَكَ طَعَامًا، وَلَا يَشْرَبُ لَكَ شَرَابًا، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى فَرْشِكَ، وَيُحَرِّمُ مَا تَشْرَبُهُ. فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ لَوْ نُشِرَ الْمُعْتَصِمُ، وَكَلَّمَنِي فِي أَحْمَدَ مَا قَبِلْتُ مِنْهُ. وَجَعَلَتْ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ تَفِدُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ; تَسْتَعْلِمُ أَخْبَارَهُ وَكَيْفَ حَالُهُ. وَجَعَلَ يَسْتَفْتِيهِ فِي أَمْوَالِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ فَلَا يُجِيبُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمُتَوَكِّلَ أَخْرَجَ ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ بِبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>