هُدِّدَ فَأَجَابَ تَوْرِيَةً مُكْرَهًا، ثُمَّ أُطْلِقَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَامَ لَيْلَةً بِالثَّغْرِ يُكَرِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] حَتَّى أَصْبَحَ، وَقَدْ أَلْقَى كُتُبَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: نِعْمَ الدَّلِيلُ كُنْتَ لِي عَلَى اللَّهِ وَإِلَيْهِ، وَلَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ مُحَالٌ، وَمِنْ كَلَامِهِ: لَا دَلِيلَ عَلَى اللَّهِ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ لِآدَابِ الْخِدْمَةِ. وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا زَهِدَ فِيهَا، وَمَنْ عَرَفَ الْآخِرَةَ رَغِبَ فِيهَا، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ آثَرَ رِضَاهُ، وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ إِرَادَةٍ وَحُبٍّ لَهَا أَخْرَجَ اللَّهُ نُورَ الْيَقِينِ وَالزُّهْدَ مَنْ قَلْبِهِ، وَقَالَ: قُلْتُ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِي: أَوْصِنِي. فَقَالَ: أَمُسْتَوْصٍ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ: خَالِفْ نَفْسَكَ فِي كُلِّ مُرَادٍ لَهَا ; فَإِنَّهَا الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحْقِرَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ طَاعَةَ اللَّهِ دِثَارًا، وَالْخَوْفَ مِنْهُ شِعَارًا، وَالْإِخْلَاصَ زَادًا، وَالصِّدْقَ جُنَّةً، وَاقْبَلْ مِنِّي هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ وَلَا تُفَارِقْهَا وَلَا تَغْفَلْ عَنْهَا: إِنَّهُ مَنِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ بَلَّغَهُ إِلَى مَقَامِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ: فَجَعَلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَمَامِي، فَفِي كُلِّ وَقْتٍ أَذْكُرُهَا وَأُطَالِبُ نَفْسِي بِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute