قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: فَلَمَّا فَعَلَ مَا فَعَلَ قِيلَ لَهُ: كَانَ لَهُمْ صَاحِبٌ يُحَذِّرُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، وَيَصِفُكَ وَخَبَرَكَ لَهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ وَتَهْدِمُ مَسَاجِدَهُمْ وَتَحْرِقُ كَنَائِسَهُمْ، فَكَذَّبُوهُ وَاتَّهَمُوهُ، وَضَرَبُوهُ، وَقَيَّدُوهُ، وَحَبَسُوهُ. فَأَمَرَ بُخْتَ نَصَّرَ فَأَخْرَجَ أَرْمِيَا مِنَ السِّجْنِ، فَقَالَ لَهُ: أَكُنْتَ تُحَذِّرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا أَصَابَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ. قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهُ إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُونِي. قَالَ: كَذَّبُوكَ وَضَرَبُوكَ وَسَجَنُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ وَكَذَّبُوا رِسَالَةَ رَبِّهِمْ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَلْحَقَ بِي، فَأُكْرِمُكَ وَأُوَاسِيكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُقِيمَ فِي بِلَادِكَ فَقَدْ أَمَّنْتُكَ. قَالَ لَهُ أَرْمِيَا: إِنِّي لَمْ أَزَلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ مُنْذُ كُنْتُ لَمْ أَخْرُجْ مِنْهُ سَاعَةً قَطُّ، وَلَوْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، لَمْ يَخَافُوكَ وَلَا غَيْرَكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ. فَلَمَّا سَمِعَ بُخْتَ نَصَّرَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ، تَرَكَهُ، فَأَقَامَ أَرْمِيَا مَكَانَهُ بِأَرْضِ إِيلِيَاءَ. وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَأَشْيَاءُ مَلِيحَةٌ، وَفِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّعْرِيبِ غَرَابَةٌ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ: كَانَ بُخْتُ نَصَّرَ أُصْفَهْبَذًا لِمَا بَيْنَ الْأَهْوَازِ إِلَى الرُّومِ ; لِلْمَلِكِ عَلَى الْفُرْسِ وَهُوَ لِهْرَاسْبُ، وَكَانَ قَدْ بَنَى مَدِينَةَ بَلْخَ الَّتِي تُلَقَّبُ بِ " الْخَنْسَاءِ، وَقَاتَلَ التُّرْكَ، وَأَلْجَأَهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الْأَمَاكِنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute