للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ مَجْلِسُ الْإِمْلَاءِ بِجَامِعِهَا، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنَ الْأَمِيرِ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِنَفْيِهِ مِنَ الْبِلَادِ، فَخَرَجَ مِنْهَا وَدَعَا عَلَى خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ، فِلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ حَتَّى أَمَرَ ابْنُ طَاهِرٍ بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ عَلَى أَتَانٍ، وَزَالَ مُلْكُهُ وَسُجِنَ فِي بَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ شَدِيدٍ. فَنَزَحَ الْبُخَارِيُّ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا: خَرْتَنْكُ. عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْدَ فَنَزَلَ عِنْدَ أَقَارِبَ لَهُ بِهَا، وَجَعَلَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ حِينَ رَأَى الْفِتَنَ; كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ.

ثُمَّ اتَّفَقَ مَرَضُهُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ، عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ - وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، وَفْقَ مَا أَوْصَى بِهِ، وَحِينَ دُفِنَ فَاحَتْ مِنْ قَبْرِهِ رَائِحَةُ غَالِيَةٍ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، فَدَامَ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ عَلَتْ سَوَارٍ بَيْضٌ مُسْتَطِيلَةٌ بِحِذَاءِ قَبْرِهِ. وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.

وَقَدْ تَرَكَ بَعْدَهُ عِلْمًا نَافِعًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَمَلُهُ فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ هُوَ مَوْصُولٌ بِمَا أَسْدَاهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فِي الْحَيَاةِ; وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، مِنْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>